الـ(ديسمورفوفوبيا): هَوَسُ النَّظَرِ فِي المِرآةِ

د. يُمن سلمان الجابريّ/ المثنى
عدد المشاهدات : 167

صحّة الإنسان تنقسم إلى صحّة نفسية وأخرى جسدية، والأمراض النفسية تتّسم بغموضها، وتأخّر تشخيصها وعلاجها في بعض الأحيان، وجهل المجتمع بها أحد أهمّ أسباب تطوّرها، وتعقيد علاجها فيما بعد، وغيرها من الأسباب. وممّا يُؤسف عليه هو عدم اهتمام الغالبية بصحّتهم النفسية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا جدًا بالصحّة الجسدية، مثلما أشار إلى ذلك ابن سينا في كتابه (القانون في الطبّ) بقوله: (إنّ من المعالجات الجيدة الناجعة للأمراض الجسدية، الاستعانة بما يُقـوّي القوى النفسانية والحيوانية، كالفرح، ولقاء ما يُستأنس به، وملازمة مَن يُسرّ به). وأحد الأمراض النفسية هو اضطراب التشوّه الجسمي، أو ما يُعرف بـ(BDD) اختصارًا للاسم الإنجليزي (Body dysmorphic disorder)‏، وكان يُعرف سابقًا باسم (ديسمورفوفوبيا)، وهو اضطراب وسواسي قهري، يشعر معه الشخص المصاب به بقلق مفرط بسبب عيب في شكله، أو معالم جسمه، ويصيب المرض الإناث والذكور على السواء، وهو على مراحل أيضًا، منها البسيطة وغيرها، وقد تتطوّر إلى مراحل معقّدة. الأعراض: ١- عادةً ما يقوم المصاب ببعض العادات القهرية، كالتحقّق من الشكل والمظهر بشكل مستمرّ باستخدام المرآة، حيث يحملها معه في حلّه وترحاله، أو النظر في الأسطح العاكسة، أو تجنّب النظر إليها مطلقًا. ٢- استخدام مساحيق التجميل والإدمان عليها، وممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط. ٣- في حالات متقدّمة، يلجأ المصاب إلى عمليات التجميل، من دون الحصول على رضا كافٍ، حيث أفادت مجلة (الجمعية الطبّية الأمريكية لجراحة تجميل الوجه) وفقًا لآراء الجرّاحين، أنّ (55٪) من المرضى يبحثون عن جراحة تجميل لتحسين الطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم في صور الـ(سيلفي)، بزيادة (42٪) عن عام (2015م)، وذلك يُعزى إلى عدّة أسباب، منها: * وجود أقارب مصابين باضطراب تشوّه الجسم، أو اضطراب الوسواس القهري وراثي السبب، وقد يكون اكتسابي السبب. * التجارب الحياتية السلبية، مثل انتهاك الحقوق، أو الإهمال، أو المضايقة في الطفولة. * قلّة الثقة بالنفس وزعزعتها. ومنهم مَن يتأثّر بالمشاهير، فيعمد إلى عمليات جراحية كقصّ المعدة لخفض الوزن، في حين أنّ وزنه لا يستدعي تلك الجراحة، فيصاب بضعف عامّ، وقلّة الشهية وما يترتّب عليها من فقر الدم، وهبوط الضغط. تقليد المشاهير ومحاولة طلب الكمال، واستخدام التكنولوجيا، مثلما ذكر موقع (health.com) أسهم بشكل كبير في اللجوء إلى جراحات التجميل، وذلك بسبب المؤثرات البصرية (face filter) التي جعلت بعضهم يرى وجهه من دونها مشوّهًا، مضافًا إلى الضغط المجتمعي، وتوقّعات الجمال، والإصابة بمرض يرتبط بالصحّة العقلية، مثل القلق أو الاكتئاب. العلاج: 1ـ العلاج السلوكي المعرفي: عبارة عن جلسات معدودة مع المريض ومناقشته بالحلول. 2ـ العلاج الدوائي: تُعطى جرعات من مثبّطات إعادة امتصاص الـ(سيروتونين) الانتقائية وهي أكثر فعّالية من مضادّات الاكتئاب الأخرى. نصائح عامّة: الوقاية خير من العلاج، لاسيّما إذا كان سبب المرض ليس وراثيًا، فالوقاية مهمّة جدًا عن طريق زرع الثقة بالنفس بأشكال مختلفة، وأهمّها الارتباط بالله تعالى، واستذكار قيمة النفس، إذ جعل الله الإنسان خليفته في الأرض، إضافة إلى حبّ الذات، والاهتمام بالنفس، وعدم استصغارها، وترك الاستخدام السيّئ للتكنولوجيا، وملء أوقات الفراغ بإنجازات حيوية، وكسب الثقافة التوعوية عن طريق المحاضرات والكتب المختلفة، فتسليط الضوء على هذا المرض وغيره، ونشر الوعي النفسي، يسهم بالسيطرة على الأمراض النفسية بشكل كبير، ويؤدّي إلى انحسارها قبل استفحالها وتطوّرها. وهناك شرط أساسي لنجاح علاج جميع الأمراض النفسية، ألا وهو التوكّل على الله تعالى، ثم الإرادة والعزيمة للمريض نفسه لمساعدة ذاته وشفائها، والاستعانة بالطبيب الناجح وعلاجه. نتمنّى للجميع دوام الصحّة والعافية.