تَجرَّعِي الغُصَّةَ لِتَظفَرِي بِالفُرصَةِ

هاجر حسين الأسدي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 225

الحياة باتت أعقد من ذي قبل، بخاصّة أنّ بعض النفوس صارت ملوّثة، فنجد المعقّدين والمصابين بداء العظمة من ذوي النفوذ والسلطة ممّن تغيّرت نفوسهم بعد اعتلاء مناصب عالية، كالمدراء الذين يتعاملون مع موظّفيهم بفوقية على أنّهم أفضل منهم، وزملاء العمل الذين يرمون زملاءهم إلى التهلكة نتيجةً لحقد دفين، أو موقف عفا عليه الزمن، لكنّه ما يزال في قلوبهم، إخوة يأكل بعضهم بعضًا من أجل الأمور المادّية، فانقطعت صلة الأرحام نتيجةً لذلك، والكثير من المشاكل التي غرق فيها المجتمع، وبما أنّ الإنسان مدنيّ الطبع، فهو مضطرّ إلى العيش في مجتمعات كهذه، فلا يخرج عن إحدى هذه الاحتمالات: أولاً: أن يكون ظالمًا لغيره ومؤذيًا له، سواء كان مديرًا في العمل أو زميلًا، أو أحد أفراد العائلة، لكنّه يعيش سعيدًا على حساب راحة الآخرين. ثانيًا: أن يكون مظلومًا وحقّه مُهتضَم، عرضةً لإهانات الآخرين والانتقاص من قدره، حينها ستكون حياته جحيمًا بالمعنى الحرفي، فيصبح بين نارين، بين طيبته الفطرية التي جبل الله الناس عليها، وبين الانتفاضة على المسيئين إليه. ثالثًا: أن يكون متوازنًا، فيعلم أين ومتى يقول (لا) للآخرين، ويعرف كيف يرسم الحدود مع الغير، فلا يسمح لأحد باستغلاله، ويتصرّف بحكمة واعتدال، لكن في مواضع معيّنة يتنازل عن حقّه تجنّبًا للمشاكل التي قد تؤدّي به إلى ما لا تُحمد عقباه، فيذوق الخسارة، ويتجرّع بعض الأذى من أجل شيء أفضل. والنوع الأخير هو ما أكّد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلًا: "صبركَ على تجرّع الغصص يُظفركَ بالفرص"(1)، وهذه حقيقة قد عاشها الكثير منّا في مرحلة ما من مراحل حياته، فكم مررنا بموقف معيّن ونحن نردّد العبارات المتعارفة، من قبيل: (إنّ الله قد خبّأ لنا الأفضل)، و(لا تفكّر، فلها مدبّر)، وغيرها من العبارات، فلا يُؤخذ من العبد شيء إلّا ويعوّضه الله خيرًا منه، ويؤجره على حُسن صبره، ويثيبه على دعائه وتضرّعه إليه تعالى، من دون اللجوء إلى المخلوقين، وسلوك طريق الظالمين والفاسدين. ...................................... (1) عيون الحِكَم والمواعظ: ص ٣٠٤.