عَناقِيدُ كَوثَرِيَّةٌ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 190

لم تكن نظراتي الباحثة في ثنايا ذكرياتكِ سوى نظرات مناجية تتماهى في حضرة قدسكِ.. وتتباهى بالانتساب إلى إطلالة شمسكِ المباركة، فتضيء تلك الطلّة البهية عتمة الأرواح المذنبة، وتنساب في رقّة وسلاسة؛ لتلين كلّ قسوة في سويداء القلب.. ويتغلغل حديثكِ الممزوج بالحنين المقدّس في الروح ليؤنسها، ويسعد كلّ فؤاد عاشقٍ يتوق إلى حديث الشوق والهيام.. واليوم، في فجركِ الجديد، هناك فرح لم يشهد مثيله الدهر، شقّ غياهب الديجور، واندلع لسان صباحكِ بتسابيح ملائكية، وتراتيل قرآنية، ازدانت بها جنبات حرمكِ المطهّر، وشعّ فيكِ نورٌ زادكِ وَهَجًا وتألّقًا.. تُرى ماذا جرى؟ وأيّ ضياءٍ قد أشرق فوق ثراكِ يا سامرّاء؟ فكثيرة هي تلك الهبات التي منحتِنيها يا مدينتي القديمة.. فعلى الرغم من أحزانكِ السرمدية، انتثرت دُرر أفراحكِ بين محرابكِ وثنايا ضريحكِ الطاهر، وتدلّت منه عناقيد الجنان مزهوّةً بيوم ليس كأيّ يوم.. ففيه أعطى الإله الكريم الكوثر لحبيبه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، فكانت فاطمة (عليها السلام) هي البشارة المؤنسة لخديجة الكبرى (عليها السلام)، لتضمّها بين ذراعيها، ولتغرقها في ذلك الشوق الذي رافقها طوال مدّة الحمل، ولتُودع كلّ آمالها وأحلامها ثنايا قلبها الصغير، فالتقت أخيرًا عيناها بعينيها القدسيتين، واستسقى قلبها من نور وجهها الوضّاء ما سرّ فؤادها وأرضاه.. فتلاقفتها يد الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) ليشرق وجهه ببسمته الوضّاءة، ولتنثال كلمات الأب الحبيب بحنان فيّاض يملأ مهجتها علمًا ويقينًا وثناءً، فيغمره الشوق لملمس كفّها الرقيقة، ويحتضن بدفء جسدها الملكوتي.. فتصغي بخشوع لتردّد صدى صوته المؤيّد بالوحي: (السلام عليكِ يا أمّ أبيها).. عندها تلألأت كلّ منابر النور على الأرض، فقد وُلدت درّة العرش، وتفّاحة الجنان التي تجسّد فيها كلّ الطهر والنقاء.. لتكون في الأرض سيّدة النساء مثلما كانت في السماء.. وليلتقي الخير العميم بالخير العميم، فيعمّ نداه الكون.. ويتجلّى فيضه اليوم في حرمات آل البيت (عليهم السلام).. فهنيئًا لكِ سامرّاء أن فزتِ بذلك الفيض المعطاء..