اِبنَتِي وَاتّخاذُ القَراراتِ
بنيّتي الحبيبة: لقد كبرتِ، وها أنا أراكِ سندًا يُعقد عليكِ الرجاء، وكلّ أملي أن يعوّض الله تعالى جهدي في تربيتكِ، وعنائي في رعايتكِ، ويجعلكِ مثلما يريد: نبتة طيّبة مباركة، سرعان ما تنمو لتكون شجرة وارفة الظلال، غزيرة العطاء، أستظلّ تحتها، وأتمتّع بجمال أغصانها، وأبتهج بطيب ثمارها. بنيّتي العزيزة: حتى الأمس القريب كنتِ في كنفي وتحت رعايتي، أهدهدكِ وأحنو عليكِ، وأشارككِ كلّ تفاصيل حياتكِ، أمّا الآن فقد كبرتِ، وصارت لكِ شؤونكِ واهتماماتكِ الخاصّة بكِ، باتت لكِ أحلامكِ وآمالكِ التي تشغل بالكِ وتطالبكِ باتّخاذ القرار، وكلّي أمل في أن تُوفّقي في مسعاكِ، وتصلي بتوفيقه سبحانه إلى مرادكِ ومبتغاكِ؛ لذا تأمّلي وتروّي، ولا تستعجلي، ادرسي كلّ خطوة تريدينها، وفكّري مليًّا قبل أيّ قرار تبرمينه، وإن احتجتني، فأنا هنا بالقرب منكِ، وسأبقى إلى جنبكِ أنّى شئتِ. حاوريني! صارحيني! قاسميني أحلامكِ، آمالكِ، آلامكِ، تحمّلي سيل نصائحي، فأنا لا أريد سوى مصلحتكِ، وما فيه خيركِ. إنّ حياتنا يا نور عين والدتكِ، عبارة عن تحدّيات واختبارات، ومواقف تطالبنا باتّخاذ القرارات، تارة تكون بسيطة عادية، وأخرى كبيرة ومهمّة، بل مصيرية، وهذا ما يفرض علينا أن نتعامل بحكمة ومسؤولية؛ لننتخب القرار الأفضل، ونتجنّب في كلّ أمورنا سخط المولى (عزّ وجلّ). وكي توفّقي في مسعاكِ، وتكون قراراتكِ مُرضية لمولاكِ، اهتمي بما سأذكره لكِ: 1ـ فكّري بهدوء وتعقّل، وإياكِ واتّخاذ القرار في وضع سيّئ أو مستعجل، لا سيّما إن كان الأمر مهمًّا، وتترتّب عليه تبعات أنتِ مَن سيتحمّل مسؤوليتها لاحقًا. 2ـ افهمي الموضوع جيدًا: فكلّما فهمنا أكثر، وباتت لدينا رؤية واضحة، ومعلومات وافية، كان القرار صائبًا والتصرّف سليمًا. 3ـ استفيدي من التجارب، فالحياة مدرسة نتعلّم منها، لذلك حريّ بنا عند اتّخاذ أيّ قرار أن نستفيد من تجاربنا السابقة، أو تجارب الآخرين من أهل المعرفة، ممّن نثق بوعيهم وصلاحهم. 4ـ استشيري أهل الخبرة، فاستشارة ذوي العقول النيّرة، والاستفادة من ملاحظاتهم مهمّة جدًا في رسم الصورة المتكاملة للموضوع، وهذا يساعدنا على الإحاطة به، والقدرة على النظرة العميقة له، ممّا يؤهّلنا لاتّخاذ قرار لا نندم عليه. وأخيرًا، لا تنسي والديكِ، فهما أحرص الناس عليكِ، وإن خالفاكِ فيما تريدين فلحرصهما، ربّما يكون الحقّ معكِ، لكن السبيل إلى ذلك يكون بحوارهما، وإثبات صحّة رأيكِ لهما بالدليل؛ ليطمئنّ قلباهما، ويكونا معكِ ولو بدعائهما، وجميل دعمهما الذي لن تَجدي له بديلًا ما حييتِ.