الزَّواجُ مِن القَومِيَّاتِ المُختَلِفَةِ بَينَ الرَّفضِ وَالقَبُولِ

هبة منير محمّد/ لبنان
عدد المشاهدات : 400

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13). تشير الآية الكريمة إلى طبيعة البشر في الحياة الدنيا، واختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم وتقاليدهم، وعلى الرغم من كلّ هذا، بيّنت فلسفة الاختلاف بالتعارف، والتلاقح الفكري والثقافي، والتكامل فيما بين العباد على أساس معيار التقوى التي ينبغي أن تكون هي الحاكمة على الرغم من هذه الاختلافات. ومن أبرز مظاهر هذا التعارف وأشدّها وثاقةً هو الزواج المختلط بين أفراد هذه الشعوب والدول والمحافظات، نحاول أن نسلّط الضوء على إيجابياته وسلبياته بشكل مختصر بما تسمح به هذه المساحة الطيّبة من رياضنا المباركة: يُعدّ الزواج المختلط شكلًا من أشكال الزواج، يكون فيه الأزواج ذوي قوميّات متعدّدة أو ديانات مختلفة، ومن المعروف أنّ هذا الزواج يواجه تحدّيات كثيرة لصعوبة التوفيق بين ثقافات البشر ومعتقداتهم، وتترتّب عليه قضايا قانونية عديدة بين مختلفي الجنسية، أبرزها نيل الجنسية، وجنسية الأطفال، والإرث. لذا نجد أنّ الكثير من الآباء يرفضون السماح لأولادهم بهذا الزواج؛ خوفًا من عدم وجود قانون يحميهم ويعطيهم حقوقهم كاملة، وبعضهم يشجّعون عليه اقتداءً بالرسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، فالسيّدة (شهربانويه) زوجة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت أميرة فارسية من بنات كسرى ملك الفرس، والسيّدة نرجس زوجة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) كانت من سلالة قياصر الروم، وأصبحت أمّ منقذ البشرية الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف). وقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إِذَا خَطَبَ إِلَيكُم مَن تَرضَونَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُن فِتنَةٌ فِي الأَرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(1). وأول ما يتجلّى من هذه التجارب التي نحن بصدد ذكرها أنّ قرار خوض هذه التجربة يختلف من شخص إلى آخر مع ترجيح المرور بتجارب عديدة مختلفة، منها الناجحة، ومنها الصعبة، ومنها غير الموفّقة. بناء على ذلك قامت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) بهذا الاستطلاع ووجّهت سؤالًا إلى نساء من جنسيات مختلفة، وهل هنَّ مع أو ضدّ هذا النوع من الزواج، فكانت الحصيلة الآتية: - نغم عبد المنعم من لبنان أجابتنا بـ(ضدّ)؛ بسبب اختلاف العادات والتقاليد، والشعور بالغربة، وعدم التأقلم مع أناس من بيئة مغايرة، وبسبب الصعوبات التي يواجهها الأبناء، مثل عدم حصولهم على جنسية الأمّ والأب معًا. - زهراء سلام من العراق أجابتنا بـ(مع)؛ إكمالًا لنصف الدين، والخوف من تضييع الفرص، بشرط أن يكون هناك توافق واحترام بين الشخصين، فضلًا عن تبادل الثقافات، والتعرّف على عادات وتقاليد جديدة. - سارة قاسم من لبنان أجابتنا بـ(مع)، قائلةً بأنّها شخصيًا مع هذا الزواج؛ لأنّها قد بلغت من العمر ما هو كافٍ لتكون قادرة على اتّخاذ القرارات الواضحة والسليمة، وبأنّ الله خلقنا سواسية، جميعنا من طينة واحدة، والجنسية عبارة عن منطقة أنتمي إليها فقط، ولا تربط شخصيتي وقلبي واتجاهاتي العاطفية بأيّ شيء، فالفرد من الممكن أن يقدّم الحبّ للطرف الآخر أينما كان، وكيفما كان، ومن أيّ بلد كان، فالشراكة، والعطاء، وبناء الأسرة السليمة السعيدة لا يقتصر أبدًا على جنسية، أو لون، أو بلد. مثلما طُرِح سؤال آخر على نساء قد مررنَ بهذه التجربة، وحصلنا على إجابات مهمّة، فهناك مَن كانت تجربتها ناجحة, وأخرى كانت تجربتها غير موفّقة: أماني إسماعيل من لبنان/ متزوّجة من رجل فلسطينيّ الجنسية، تقول: أنا امرأة متزوّجة منذ (9) سنوات برجل من غير بلدي، والحمد لله لم أعانِ من أيّ صعوبات، بل على العكس من ذلك، فعلاقتي بزوجي مليئة بالحبّ والتفاهم والاحترام، على الرغم من رفض بعضهم لهذا الزواج، إلّا أنّه كان ناجحًا من جميع الجوانب. وقدّمت أماني نصيحة للفتيات اللواتي يقدمنَ على هذه الخطوة بأن لا يخفنَ، ولا يتردّدنَ؛ لأنّ الحياة قصيرة، ويجب أن نعيشها مع مَن نحبّ، ولا فرق إن كان يحمل جنسية مختلفة. بتول خليفة من لبنان متزوّجة من رجل عراقيّ الجنسية منذ ما يقارب الـ(9) سنوات، وهي تقيم مع زوجها في العراق، تذكر بأنّها واجهت صعوبات كثيرة، منها: فراق الأهل، واختلاف العادات والتقاليد، وصعوبة التأقلم مع بعض الناس, بيد أنّها تعلّمت بعض العادات والتقاليد الجديدة، وقالت: إنّ العراقيّين يمتازون بطيبة القلب، ويحترمون الآخرين، ولديهم حبّ الضيافة والكرم، وهذا الشيء موجود أيضًا في لبنان، مثلما أنّها وجّهت نصيحة للفتيات المقبلات على الزواج بأن يكون اختيارهنَّ صحيحًا يعتمد على العقل قبل القلب، وأن لا يتعاملنَ مع المجتمع الذي سوف يعشنَ فيه بفوقية واستعلاء. بشرى مبروك من لبنان كانت متزوّجة من رجل عراقيّ الجنسية، ولم يكن زواجها موفّقًا بسبب اختلاف العادات والتقاليد، وكانت تشعر بأنّها وحيدة لأنّها بعيدة عن أهلها، وواجهت مشاكل بسبب بُعد المسافات، من هنا فقد وجّهت نصيحة للفتيات بعدم اتّخاذ هذه الخطوة، لكيلا يندمنَ فيما بعد. هبة قاسم من لبنان تقول: فيما يتعلّق بتجربتي الشخصية مع الزواج المختلط كوني لبنانية متزوّجة من رجل عراقيّ منذ (5) سنوات، فأنّه كان برغبتي الكاملة من دون أيّ ضغوطات، قد حدثت معنا بعض المشكلات الصغيرة في بداية الزواج بسبب اختلاف العادات والتقاليد وما يترشّح عنها من سلوكيّات، إلّا أنّها مرّت بسلام عبر التفاهم؛ لأنّ المودّة والرحمة والتقوى، وما ينتج عنها من تفاهم وتضحية هي الحلّ الأمثل للمشاكل الزوجية كلّها، أمّا من ناحية المجتمع، فقد واجهتُ مشاكل بسيطة، مثل اختلاف اللهجات، وطريقة التعاطي مع الأمور، وطريقة اتّخاذ القرارات، مع أنّني شخصيًا استفدتُ كثيرًا، وتعلّمتُ أشياء جديدة، مثل اللهجة العراقية المحبّبة، والعادات الاجتماعية الطيّبة القديمة الباقية إلى الآن، مثل التراحم، والتواصل، والتكافل الاجتماعي، والمشاركة في الأفراح، والمواساة في الأحزان، وعادة تبادل الطعام في شهر رمضان المبارك مع الجيران، إذ يكون الجميع أشبه بعائلة واحدة على مائدة مشتركة، حتى أنّي أتقنتُ طبخ بعض الأكلات العراقيّة، وشاركتها مع أهلي وصديقاتي. إيجابيات الزواج المختلط: 1ـ التعرّف على ثقافات وعادات وتقاليد جديدة تكون إضافة مهمّة للثقافة الشخصية. 2ـ تعلّم لهجات أو لغات جديدة. 3ـ رؤية بلد جديد والتعرّف على معالمه الدينية والسياحية. 4ـ الحصول على أطفال يتمتّعون بالصحّة الجيدة، بعيدًا عن الأمراض الجينية التي قد توجد في بلد دون آخر، أو نتيجة زواج الأقارب. تحدّيات الزواج المختلط: 1ـ رفض الأهل. 2ـ عدم التأقلم مع المجتمع الجديد بسبب الاختلاف الشديد بين الثقافات والعادات والتقاليد. 3ـ مشكلات الطلاق إن حصل، وما يتبعه من مسألة حضانة الأطفال وغيرها. 4ـ تعرّض أحد الزوجين أو كليهما إلى التنمّر والسخرية، أو الانعزال، أو عدم الاختلاط بالمجتمع، أو عدم تقبّله. في الختام نقدّم النصح لكلّ فتاة مقبلة على هذه الخطوة بأن لا تتسرّع في اتّخاذ قرار مصيري وصعب كهذا، ولا بدّ من اختيار الشخص المناسب، من ذوي الدين والخُلق القويم، فضلًا عن ضرورة التعرّف والإحاطة مسبقًا بعادات بلد الزوج المفترض وتقاليدهم؛ لكي لا تندم فيما بعد. ........... (1) الكافي: ج 5, ص347