هَجْرُ المُؤمِنِ

الشيخ فتّاح ثامر طاهر
عدد المشاهدات : 171

لقد أولت الشريعة المقدّسة اهتمامًا كبيرًا بمسألة علاقة المسلمين فيما بينهم، فقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس، وأراد منهم سلوك الطريق المستقيم، وحذّرهم من الشرك به، وشرّع لهم ما ينظّم علاقاتهم وشؤونهم. فجوهر علاقة المسلم بأخيه المسلم هي الأخوّة في الله تعالى، مثلما قال في محكم كتابه الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة...) (الحجرات:10)، وبهذا يكون المسلم أخا المسلم، وهي الأخوّة في الدين، لكن هذه الأخوّة التي أُمرنا بها ليست أخوّة في اللسان، بل أخوّة عميقة كامنة في النفوس والقلوب، غراسها الإخلاص في المودّة، وثمراتها معاملة المسلم بالحسنى، والذبّ عنه، أخوّة تقتضي أنْ تحبّ لأخيكَ ما تحبّ لنفسكَ، لذلك نهى الشارع المقدّس عن كلّ ما يضعف العلاقة بين المسلمين، ومن الأمور التي تضعفها الهجران، وهناك روايات كثيرة تتناول حرمة هجر المؤمن، بل بعضها تذكر أوصاف المؤمن ومنها عدم الهجر، فقد رُوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في توصيف المؤمن: "...لا يهجر أخاه، ولا يغتابه، ولا يمكر به..."(1)، وجاء في بعض الروايات أنّ العمل لا يُتقبّل مع الهجران، وحذّرت بأنّ مَن يموت مهاجرًا لأخيه، كانت النار أولى به. وجاء في بعضها: "أيّما مسلميْنِ تهاجرا فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلّا كانا خارجيْنِ من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه، كان السابق إلى الجنّة يوم الحساب"(2). ونهت كذلك عن الهجران فوق ثلاثة أيام، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "لا يحلّ للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث"(3)، وهذه الأحاديث والروايات الشريفة مطلقة، لم تُقيّد في ما إذا كان أحد هذيْنِ المسلميْنِ ظالمًا والآخر مظلومًا، بل هي مطلقة من هذه الجهة، فرُبّ سائل يسأل: إذا ظلم المسلم أخاه المسلم ولم يعتذر إليه، فما وظيفة المظلوم، هل يصدق الهجران عليه إذا لم يكلّم الظالم بسبب ظلمه إياه؟ في الجواب نقول: إنّ هذه النصوص الشريفة مطلقة غير مقيّدة بصفة الظلم، لذلك تشمل الظالم والمظلوم في حرمة الهجران. ................................. (1) موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): ج ١٢، ص ١٥. (2) الكافي: ج ٢، ص ٣٤٥ (3) بحار الأنوار: ج ٧٢، ص ١٨٩.