شَناعَةُ المَلاحَةِ

رسل سلام الأسديّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 263

قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6). خلقنا الله مختلفين في الأشكال والألوان والهيئة، فمنّا ذو البشرة السوداء، والسمراء، والبيضاء، وذو القامة الطويلة والقصيرة، والبدين والنحيف، فضلًا عن اختلاف ملامح وجوهنا، وتلك الاختلافات وُجدت لكي نميّز بعضنا, فجميع المخلوقات متباينة، مثلما جاء في قوله تعالى: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (النحل:13). والسؤال الذي يتبادر دائمًا إلى أذهان الكثيرين هو: مَن وضع المعايير المسمّاة بمعايير الجمال التي يتسابق عليها الناس في الوقت الحالي ليحصلوا عليها؟ وعلى أيّ مقياس اعتمدوا تحديدًا؟ أصبح الجميع يجري بعيون مغمضة، وعقول خالية من التفكير خلف تلك المعايير التي لا يعرفون هويّة واضعها، ومن تلك الصفات التي شاعت مؤخرًا البشرة البيضاء، الملساء، الخالية تمامًا من البثور والتصبّغات، أو القوام الممشوق، أو الطول المثالي للوزن المثالي، وغيرها من الأمور التي استسلم لها الفتيان والفتيات، وعُدّ مَن لا يمتلكها ناقصًا، أو ذا عيب خَلقي، ولابدّ من أن يسعى للحصول على تلك المعايير ليرضي مَن حوله، ولكي لا يتعرّض للرفض من قِبل الأصدقاء أو الأهل أو الشريك. سار الأغلبية في هذا الاتّجاه بعد التطوّر التكنولوجي وانتشار الإنترنت، فلا تخلو الساحة من المشاهير المدّعين للمثالية الشكلية، ويشجّعون عليها بطرق يصعب على عامة الناس امتلاكها، سواء مادّيًا أم معنويًا، فتناسوا أنّ الجمال يكمن في التعامل الحَسن وطيبة القلوب. ومن أهمّ النقاط التي يجب على كلّ منّا تذكّرها هي أنّ جميع خلق الله جميل مهما كان: (...وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ...) (غافر:64)، وأنّ الوجوه والأجساد تتغيّر وتتهرّأ بمرور الوقت مهما كثر جمالها، فلا يجب أن نكون مهووسين بمعايير الجمال ونستنزف طاقاتنا وأموالنا على مستحضرات التجميل وعملياته، وأيضًا يجب أن نذكّر بعضنا أنّه ليس من الضروري أن تكون أشكالنا مثالية، أو نشبه الآخرين لنرضي بعضنا، وهنا يكمن دور الدين في جعل الإنسان يحبّ نفسه مثلما خلقه الله (عزّ وجلّ)، ومثلما وُلد عليها، وسعي الشخص إلى تحسين طرق تواصله مع الآخرين هو مَن يجعله بهيًّا، فقد نجد شخصًا لا يحمل صفات الحُسن الموضوعة من قِبل بعض الناس، لكن بطيب تعامله نراه وسيمًا، وشخصًا آخر يمتلك حُسن الهيئة، لكن سوء تعامله يجعله دميمًا، وخير دليل على ذلك هو سيرة الرسول الأعظم (صلوات الله عليه)، إذ أثبت أنّ الإنسان يشرق بطيبته وإنسانيته، وخير مثال على ذلك بلال (رضي الله عنه) مؤذّن الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فقد كان أسود البشرة، لكن أبيض القلب، على العكس من أبي سفيان الذي كان أبيض البشرة، لكنّه أسود القلب. فالجسد عطيّة الله تعالى، وكلّ عطاياه جميلة، فلا تستغلّوا الطبّ التجميلي في تغيير هذه الهدايا الإلهية، فقد يُعدّ التغيير دليلًا على رفض حُكمه أو الاعتراض عليه، وأشكالنا بهذه الهيئة مبطّنة بحكمة سنعرفها يومًا ما، فمن واجبنا أن نحبّ أشكالنا ونحبّ أنفسنا مثلما هي عليه، فنظرتنا لأنفسنا ستعكس نظرة الآخرين إلينا.