رياض الزهراء العدد 190 شمس خلف السحاب
عُذُوبَةُ الانتِظارِ
لطالما سألتُ نفسي: لماذا أنا هنا، في هذا المكان بالذات؟ لماذا أعاني من الأمراض؟ لماذا أنا من بين كلّ أولئك الفتيات؟ فمعظم مَن في سنّي أكملوا دراستهم الجامعية إلّا أنا! وغيرها من الأسئلة التي أُحار في إجابتها، بل لا أحصل على إجابة عنها مطلقًا، وأمضي في حياتي متناسيةً ما طرحتُه على نفسي من أسئلة، لكنّني أفكّر وأفكّر؛ لأجد نفسي في دوّامة أسئلة أخرى أكثر نفعًا من تلك، فأطرح أسئلة جديدة بطابع فكري متسلسل: مَن أكون؟ ماذا قدّمتُ لحياتي؟ ماذا سأفعل لو كانت حياتي غير ما أعيشه الآن، وفي هذه اللحظة؟ الأسئلة مستمرّة والإجابات موجودة، وكمّ من المعاني والشعور بالمسؤولية، وشعور يعتريني كلّما نظرتُ إلى هذا الكون بكلّ ما فيه، بكلّ معانيه يخبرني عن أجوبة أسئلتي، سؤال إثر سؤال، فكانت الإجابة بمعانٍ عديدة، لكنّها لدرب واحد، معانٍ جميلة أخّاذة، تأخذ بمجامع القلوب، تربّتُ على روحي بخفّة وحنان، آسرة إلى درجة لا يمكن لأيّ أحد أن يصفها بغير وصف البهاء. فأن ننتظر قدوم شخص قريب علينا، ليست قرابة رحم، ولا قرابة صداقة، ولا قرابة بفعل الظروف التي تحيط بنا، بل ننتظر شخصًا قريبًا إلينا وإلى كلّ إنسان في هذا العالم، كلّنا ننتظره بكيفية معيّنة، ولكلّ منّا طريقته في التعبير عن مشاعره تجاهه، فلا توجد طريقة محدّدة في التعامل مع قناعاتنا تجاهه، بل إنّ الجميع ينتظره، والجميع توّاق إلى شخصه المبارك وحكومته العادلة، إلى دولته التي يترقّبها العدوّ قبل الصديق، ونقول العدوّ لأنّه يكمن للنيل منه، ويحاول أن يحول بينه وبين الهدف الذي اختاره الله تعالى له. فلطالما استساغ الشيطان نكهة النصر ظنًّا منه تعطيل سنن الله تعالى الحقّة، ولا ريب في أنّ فرحته هذه لن تدوم طويلًا، فشمس الحقيقة لا يخفيها ظلام مهما كان حالكًا، فما بالنا بالغربال؟! هيهاتَ، هيهاتَ من تحقّق هذا الأمر مهما عبّأ الباطل وجَنّد، ومهما توسّع وامتدّ، فالاعتقاد بظهور الحجّة (عجّل الله فرجه) في قلب كلّ مؤمن ومؤمنة أقوى من ألف ترسانة وعدد. عقيدة لا تخصّ القلوب فحسب، بل هي في العقول أقوى وأشدّ، لا تسأم الأفكار طلّة حروف اسمه، فكيف بشخصه وكيانه؟! فالعقول الثريّة بالإيمان، والتقوى، والصلاح، والعمل الدؤوب، هي العقول التي تجاهد، وتكافح، وتبذل ما في وسعها في كلّ لحظة، وهي ذاتها تتصدّى لكلّ فكرة عقيمة هدفها الهدم بمعاول شتّى، تارة تستهدف صبر الناس، وأخرى عقيدتهم وثباتهم، ولا ريب في أنّ ما أراده الله (عزّ وجلّ) للناس هو الخير الحقيقي الدائم، فقد قال تعالى في محكم كتابه: (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الشورى:36).