رياض الزهراء العدد 190 عطر المجالس
قُوَّتِي بِإِيمَانِي وبِحِجَابي افتِخَارِي
على غير المعتاد كان اجتماع الثلّة الطيّبة في أحد الأماكن العامّة، لكن بحشمة يمازجها البِشر، ووقار يخالطه المرح. جاذبية المشهد استقطبت فتاتين بدا عليهما شيء من التحرّر، توجّهت إحداهما ـ ندى ـ بالكلام إلى زهراء وزينب قائلةً: لا أريد أن أكون متطفّلة، لكن ما الذي يجبر فتاتين مثلكما على ارتداء ملابس كهذه؟ إنّها تغطّيكما تمامًا، مع أنّه يبدو عليكما أنّكما مثقّفتان! زهراء (بابتسامة هادئة لطيفة): أولًا السلام عليكم، فالسلام قبل الكلام. ندى: مرحبًا. زهراء: إنّ الثقافة لا تتعارض مع الاحتشام، فالاحتشام مظهر من مظاهر رقيّ الإنسان. زينب: حبيبتي، لا ينبغي أن ننظر إلى الثقافة بنظرة سطحية، فالثقافة هي اكتساب العلوم والمعارف، والاستفادة منها في حياتنا، ومع مَن حولنا. زهراء: إنّ الله تعالى أكرمنا بالحجاب من أجل حمايتنا، لا لحرماننا من التمتّع بالحياة، أو الحرمان من طلب العلم، أو الاستقلال المادّي، أو سائر النشاطات الثقافية والعلمية، حتى الرياضية. ندى: أجل، من الممكن، لكنّه قليل جدًا، طبعًا من بعد أخذ الإذن والرضا من وليّ الأمر، (قالتها بشيء من السخرية). زينب: بل الكثير من هؤلاء النساء اللواتي ترينَ لديهنَّ شهادات علمية، فضلًا عن النشاطات الإنسانية والثقافية، وهنَّ أمّهات مثاليات رائعات، (قالتها زينب بكلّ حبّ وفخر وهي تشير إلى الثلّة الطيّبة). زهراء: ثم إنّ أخذ الإذن والموافقة من وليّ الأمر ليس عيبًا، ولا ينقص من قدر المستأذن، بل هو دليل على الأدب والذوق والاحترام، مثلًا بصفتكِ طالبة، هل من اللائق ترك الدرس دونما الاستئذان من الأستاذ؟ ندى: إذا كان الحجاب تكريمًا، فلماذا فُرض على النساء ولم يُفرض على الرجال، أليس في ذلك ظلم؟ أمّ حسين: حاشا لله: (...وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 108)، باختيارك الملابس التي ترتدينها، ستدركين تمامًا أنّ للمرأة خصوصية وجاذبية، وهذه الجاذبية ينبغي أن تكون لها حصانة تحميها من الانتهاك والابتذال، أتفهمين ما أقصد؟ أمّ زهراء: إنّ الله تعالى جعلكِ كائنًا جميلًا، رقيقًا، ثمينًا، وليس من شأن الأشياء الرقيقة الثمينة أن تُعرض على كلّ مَن هبّ ودبّ؛ لأنّ ذلك يفقدها رونقها، ويقلّل من ثمنها، فهل في الحماية ظلم؟! أمّ حسين: وإذا تتبّعنا تراثنا الإسلامي، لوجدنا النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) طالما حثّ على الرفق بالنساء، وكان ينعتهنَّ بـ(القوارير)، وبحبّه وإجلاله للزهراء (عليها السلام) أعطى للآباء منهجًا قويمًا في التعامل مع البنات. أطرقت ندى برأسها كأنّها استوعبت ما تسمع، لكن بدا أنّها تريد الهروب من الاقتناع: ما أعرفه أنّ الحجاب ليس بواجب، بل هو زيادة في الحشمة، وشُرّع لوقت معيّن. أمّ جعفر: كيف ذلك يا حبيبتي؟! وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة، وهذا كتاب الله بيّن بما لا يقبل الشكّ وجوب ستر المرأة نفسها. أمّ عليّ: لابدّ من أنّكِ تعرفين سيّدات أهل البيت (عليهم السلام)، فهنَّ أشرف النساء وأعظمهنَّ، وكلّ واحدة منهنَّ كانت الأنموذج الأعلى في العفاف والوقار وقوة الشخصية. زهراء: أنا أعشق السيّدة الزهراء (عليها السلام) لرقّتها مع أسرتها وعطفها على المساكين، وفيض علومها، وقوتها، وشجاعتها في الدفاع عن حقّها. زينب: ضربت الحوراء زينب (عليها السلام) المثل الأروع في تحمّل المسؤولية، وعدم الخضوع للظالمين مهما تجبّروا، علّمتني الكبرياء، وقهر الطغاة بالإيمان والصبر. زهراء: إيماني يمنحني الثقة بالنفس، وحجابي هويّتي وافتخاري.