رياض الزهراء العدد 190 ركائز الإيمان
(اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ)
خديجة: بعد أن تحدّثنا عن تعريف حُسن الظنّ وسوء الظنّ نعود إلى سؤال كوثر: ما الذي يسبّبه سوء الظنّ من آثار سلبية في المجتمع؟ فنقول: من أخطر السلبيات زوال الثقة بين الناس، وإذا زالت الثقة زال التعاون والتكافل والتكاتف المجتمعي. رقيّة: كذلك نظرة الريبة والتشكيك التي يعيشها أفراد المجتمع بين بعضهم ، فيتعاملون بحذر شديد، وهذا يولّد حالة الغربة والعزلة والتفكّك بينهم. خديجة: لهذا السبب أكّد الإسلام على تعزيز ظاهرة الاعتماد المتقابل بين الأفراد، واهتمّ بها اهتمامًا بالغًا، ونهى بشدّة عن سوء الظنّ للأسباب المؤدّية إليه. غفران: لذلك نرى اهتمام الإسلام بما يفضي إلى الاعتماد المتقابل والثقة بالآخرين المؤدّية إلى المحبّة والتآلف بين الناس، والذي يعبّر عنه بـ(حُسن الظنّ). كوثر: لكن حسن الظنّ قد يضرّ بالإنسان ويوقعه فيما لا يُحمد عقباه. خديجة: لا شكّ في أنّ حسن الظنّ قد يؤدّي إلى خسائر، لكن إذا ما قُورنت بالخسائر والأضرار الناتجة عن سوء الظنّ فهي قليلة. زينب: هل لسوء الظنّ فروع وأقسام؟ خديجة: أجل، هي ما تمّ ذكرها سابقًا في التعريف، وقد ذكر القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السلام) كلا القسمين، وطرق العلاج من نتائجهما. فممّا ذكره القرآن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (الحجرات:12)، الآية تستعرض الحديث عن سوء الظنّ، وتنهى المؤمنين بصراحة وبشدّة عنه في تعاملهم الاجتماعي فيما بينهم، وتشير إلى أنّه قد يكون بمثابة المقدّمة إلى التجسّس والغِيبة. زينب: لكن لماذا ورد التعبير بـ(كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ)؟ خديجة: لأنّ أكثر أشكال الظنّ بين الناس بالنسبة إلى الطرف الآخر تقع في دائرة السوء والشرّ، لذلك ورد التعبير بقوله (كثيرًا)، (والملفت للنظر هو أنّ هذه الآية بعد النهي عن كثير من الظنّ، ذكرت العلّة في ذلك وقالت بأنّ بعض الظنون هي في الحقيقة إثم وذنب) (1). كوثر: كيف يكون الظنّ مؤدّيًا إلى الإثم؟ خديجة: إنّ ظنّ الإنسان بأخيه سوءًا يؤدّي إلى التجسّس عليه في أموره وأعماله الخاصّة، والتجسّس يتسبّب أحيانًا في تتبّع عيوب الناس المستورة، ثم يجرّ إلى الغِيبة ونقل ما اطّلع عليه إلى الآخرين، لذلك نجد الآية الشريفة ذكرت سوء الظنّ أوّلًا، ثم ذكرت عنصر التجسّس، ونهت عن الغِيبة في الأخير. يتبع... ...................................... (1) الأخلاق في القرآن: ج3، ص285