المُسِنُّونَ فِي المُجتَمع إِلى أَينَ؟

م. د خديجة حسن القصير/ بغداد
عدد المشاهدات : 202

أصبحت المجتمعات بفعل التحوّلات والتغييرات التي طرأت على أفراده التي أثّرت في تفكيرهم ونمط سلوكهم، يواجه صراعًا بين ما يحمله الفرد من أفكار وقيم وعادات وتقاليد واتّجاهات، وبين ما يواجهه من مظاهر الحداثة الدخيلة عليه، التي توجب على الفرد التعامل معها بوصفها من متطلّبات الحياة، فكلّ هذه الأمور ولّدت لدى الإنسان جحودًا وتنكيلًا بالعلاقات الاجتماعية، وجعلته فردًا يميل إلى إشباع حاجاته الأساسية في معترك الحياة التي يعيشها، فبدأت تضعف لديه أواصر التعاون وصِلة الرحم، والضحيّة في هذا الأمر هو الفرد المسنّ الذي أصبح بالنسبة إلى بعضهم الحجر الذي يقف في وجه طموحه وآماله، فيحاول أن يرمي به بعيدًا عن طريقه، فما أكثر دُور المسنّين التي أخذت بالظهور، واستقطبت أعدادًا كبيرةً من كبار السنّ المهمّشين في المجتمعات. والمسنّ بالمعنى المعروف هو الشخص الذي يحتاج إلى رعاية وعناية خاصّة، وهذا المصطلح لم يرد بالمعنى الصريح في القرآن الكريم، إنّما وردت مرادفات له، من قبيل: - الشيخ: تكرّرت هذه الكلمة (4) مرّات في القرآن الكريم، منها في قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود: 72). - الشَيْبَة: جاءت في قوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم: 54). - أرذل العمر: وردت (2) في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (النحل:70). - وَهْنُ العظمِ: وردت العبارة مرّة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى:( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (مريم:4). ولو بحثنا في أسباب تفشّي ظاهرة تهميش المسنّين، لوجدنا أنّها حصيلة تراكمية لمجموعة من الأسباب التي تدعو إلى إرسال كبار السنّ إلى دار المسنين، ففي أثناء قيامنا بهذا الاستطلاع وسؤالنا لبعضهم، توصّلنا إلى بعض الأجوبة، منها: الدكتورة وفاء محمّد/ علم النفس، بيّنت: أنّ أبرز عنصر في حدوث هذه الظاهرة هو غياب الوازع الديني والأخلاقي، وغياب الإحساس بالمسؤولية، والظروف المعيشية الصعبة لدى الأبناء، وانشغالهم بالعمل بعيدًا عن رعاية الوالدين، أو قد يكون الاستقلال المالي للأبناء أحد الأسباب، فضلًا عن انتشار المخدّرات، والمسكرات، والتفكّك الأسري بمسبّباته الكثيرة. ابتهال عبّاس/ لغة عربية: إنّ هذه الظاهرة حدثت نتيجةَ العنف الأسري بكلّ أشكاله، والذي يتعرّض له كبار السنّ غالبًا بعد وفاة الزوج أو الزوجة، موضّحةً أنّ المسنّين داخل منازلهم يواجهون مختلف أنواع العنف يوميًا. في حين يشير الدكتور حيدر عماد/ إدارة أعمال إلى أنّ السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو صعوبات الحياة التي تواجه بعض الأُسر، بخاصّة ضيق المسكن الذي لا يحتمل وجود المسنّ، فضلًا عن انشغالات الابن وزوجته بالعمل لتحقيق رغبات الأسرة، فلا يكون لديهم وقت للاهتمام بالشخص المسنّ ورعايته، فيفضّلون إرساله إلى دار المسنّين. وقد أعربت الدكتورة زينب حسن/ جغرافية عن استيائها من تفشّي هذه الظاهرة في بعض المجتمعات؛ لأنّ القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة حثّت على ضرورة رعاية الوالدين، وتلبية احتياجاتهم، وعدم صدّهم، أو الاعتداء عليهم، حتى بالصوت المرتفع، أو الكلام الجارح؛ لقوله تعالى: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنهَرهُما وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء: 23). وقد أكّدت الدكتورة أزهار سامي/ جغرافية على ضرورة العمل على استثمار كفاءات المسنّين وخبراتهم التراكمية، وتوظيفها في تنمية المجتمع، بوصفهم فئةً قد خدمت مجتمعاتها في يوم ما، وهذا بدوره يسهم في استثمار طاقاتهم، ويمثّل دعمًا روحيًا لهم. وقد أيّدت الدكتورة نور جواد ما ذُكِر من ضرورة توظيف خبرات المسنّين وكفاءاتهم في مجالات الحياة المختلفة، حتى يشعروا بأنّ جهودهم وما قدّموه للمجتمع لايزال في باكورته، ويسير بالاتجاه الأمثل خدمةً للأجيال اللاحقة. وفي مجتمعاتنا الإسلامية توجد حالات قليلة جداً، فهي لاتزال مجتمعات متماسكة و محبّة ومهتمّة وتوقّر كبار السنّ وتكنّ لهم عظيم الاحترام، فهم بركة كلّ بيت، وأساس هذه المجتعمات هو أساسها المرتبط بناؤه بمنهج القرآن الكريم و سيرة الرسول وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام).