اِبنَتِي والصَّداقَةُ
بنيّتي ورفيقة دربي، وأول صديقة في حياتي وأجملها، اعلمي عزيزتي أنّ ديننا هو دين المحبّة والعشرة الطيّبة والسلام، وهو ينظر إلى التآخي والصداقة نظرة تقديس واحترام، ويحثّ على الاستزادة من الإخوان، وتكوين العلاقات التي ترضي الرحمن، مبنيّةً على أسس سليمة، بعيدًا عن الخلل والعصيان؛ لذلك يجدر بكِ يا قلب أمّكِ أن تنتخبي مَن تكون رفيقة دربكِ إلى ربّكِ، مَن تدخل السرور على قلب إمام زمانكِ بفكرها، وحجابها، ووعيها، وهمّتها، وسائر ما يتعلّق بها. رافقيها وتعاهدا على الأخوّة في الله تعالى، وأن تكون كلّ واحدة منكما مرآةً للأخرى، تنبّهها، تنصحها، ترشدها، تأخذ بيدها، تقوّم اعوجاجها، وتذكّرها بطاعة ربّها، وتحثّها على السعي لكسب رضاه في كلّ خطوة تخطوها، فالأخلّاء أعداء يوم القيامة ما خلا المتّقين، الذين يبنون علاقاتهم في الدنيا على أساس الحبّ الإلهي المتين، وتبتعد آفاق صداقتهم عن كلّ ما يشين، ومَن يتأمّل آيات القرآن الكريم والسنّة الشريفة يدرك ذلك، ويعلم أنّ كلّ ودّ من أجل الدنيا وفيها، سينقطع لانقطاع أسبابه هناك، ولن يجني منه أصحابه إلّا الحسرة والندم؛ ومن هنا نبّهت النصوص الشريفة على خصال الإخوان الثقات، وبيّنت كيفية اختبار الفرد قبل مصاحبته، وأوضحت ما ينبغي الحرص على توافره في شخصيته، والآثار التي تترتّب على رفقته، ورسمت الصورة المتكاملة لمَن أراد الصحبة الصالحة، والرفقة الطيّبة الناجحة. فالصديق يا غاليتي، يأخذ من طباع صديقه ويتأثر بسلوكه، والذكيّ حقًّا هو مَن ينتخب مَن يسمو معه ويتزيّن به، ويتألّق في سماء التكامل بسببه، فقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "إنّما سُمّي الرفيق رفيقًا لأنّه يرفقكَ على صلاح دينكَ، فمَن أعانكَ على صلاح دينكَ فهو الرفيق الشفيق"(1). وفي الوقت الذي حدّدت لنا الروايات الشريفة صفات أصدقاء الخير، وأكّدت على الإيمان والصلاح والتقوى والعقل وغيرها، حذّرت من صفات أصدقاء السوء، والتي يُعدّ الجهل والحُمق والكذب والبخل من أبرزها؛ كلّ ذلك لتجنّبنا أخطار هذه الصداقات التي لن يجني منها المرء إلّا التعب والهمّ والعناء، فصحبة الأشرار مصدر للضرر والبلاء؛ فابحثي في صداقاتكِ الحقيقية عن الفتاة الصالحة التقيّة، وليكن قول إمامكِ الصادق (عليه السلام) نصب عينيكِ يا بنيّة: "...واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيتَ عمركَ في طلبهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد الأنبياء والأولياء، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق بصحبتهم..."(2). ..................................... (1) ميزان الحكمة: ج ٢، ص ١١٠٣. (2) بحار الأنوار: ج ٧١، ص ٢٨٢.