الغِشُّ التِّجارِيّ.. خَرابٌ لِلنُّفُوسِ وَالمُجتَمَعاتِ

عبير عبّاس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 246

هو ذاك الشريط الأصفر الذي يحدّد مسرح الجريمة؛ للوقوف على أسبابها عن طريق جمع الأدلّة وتحليلها، والوصول إلى الجاني، ومن ثمّ معاقبته تحقيقًا للعدالة، ولإصلاح ما فسد من سريرته. في محاولة منّا لوضع شريط أصفر حول مسرح أيّ جريمة، سواء كانت مادّية أم معنوية؛ لحصر أسبابها، محاولين منع تكرارها عن طريق وضع حلول، وأفكار، ومقترحات لمحاربتها، وعدم تكرارها، والحفاظ على الأمن المجتمعي، والحفاظ على الروح من تلوّث فطرتها بنوازع إجرامية مكتسبة. نشرت الصفحة الرسمية لجهاز الأمن الوطني العراقي أنّ مفارزها في بعض المحافظات استنادًا لمعلومات استخبارية ألقت القبض على شخصينِ متّهمينِ بممارسة عملية الغشّ التجاريّ عن طريق التلاعب بتواريخ الموادّ الغذائية المنتهية صلاحيّتها، وقد ضُبطا وبحوزتهما أجهزة رقمية تقوم بطباعة تاريخ الإنتاج والانتهاء، وجرت عملية الغشّ داخل غرفة مغلقة وخاصّة في أحد الأسواق التجاريّة. الغشّ موجود منذ قديم الزمان، وهو ظاهرة مجتمعية ظهرت بطرق وأشكال شتّى مع نشوء المجتمعات بسبب بعض النفوس الضعيفة التي تسعى إلى الربح غير المشروع، والغشّ التجاريّ يُصطلح على كلّ منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمَدة. وفي عصرنا الحاضر اتّخذ الغشّ التجاريّ أشكالًا وصورًا متعدّدة ومتطوّرة مع تطوّر حياة الشعوب، فتارة يكون الغشّ ضربًا من التطفيف في الميزان، أو إخفاء عيوب البضاعة عن المستهلك، أو بيع السلع المنتهية صلاحيتها، بخاصّة الموادّ الغذائية التي تؤثر بشكل مباشر في صحّة الإنسان، أو خلط البضاعة الجيدة بالرديئة، أو خلط موادّ مغايرة بهدف التكثير، ممّا يفقد المنتج قيمته الأصلية، أو احتواء المنتج على موادّ سامّة، أو مسرطنة، أو موادّ ضارّة بصحّة الإنسان. ومن الصعب جدًا أن تحيط الدولة بكلّ أنواع الغشّ التجاريّ في الأسواق، لكن من الممكن تكثيف المتابعة، ودقّة عمل فرق الرقابة الصحّية على المنتجات الغذائية تحديدًا، وتشديد عمل وزارة التجارة الرقابي على التجّار وعلى بضائعهم المستوردة عبر الجمارك، وسنّ القوانين الرادعة عن الغشّ التجاريّ، وتطبيقها فعليًا لردع ذوي النفوس الضعيفة التي لا تتورّع عن الغشّ بكلّ صنوفه، وليس التجاريّ منه فحسب. أمّا المعالجات الفردية، فتكون بالحثّ على التعاون والأمانة في المعاملات التجارية، والتعاون مع الدولة في مكافحة كلّ مظاهر الغشّ التجاريّ، وأهمّ علاج للغشّ هو مخافة الله تعالى، والتحلّي بالأخلاق والمبادئ الإنسانية، وقد رُوي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام"؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟! مَن غشّنا فليس منّا"(1). ومن آثار الغشّ في الدنيا قبل الآخرة ما رُوي عنه (صلّى الله عليه وآله): "مَن غشّ أخاه المسلم، نزع الله عنه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه"(2)، وقوله (صلّى الله عليه وآله): "مَن باع عيبًا لم يبيّنه، لم يزل في مقت الله، ولم تزل الملائكة تلعنه"(3). إنّ الغشّ بكلّ أنواعه، بخاصّة التجاريّ منه، ليس أمرًا هيّنًا، فهو يدلّ على فساد النفوس التي تفسد بدورها المجتمع، وتضرّ أفراده مادّيًا، ومعنويًا، وصحّيًا، واقتصاديًا، فالأمن الاقتصادي لا يقلّ أهمّيةً عن الأمن الاجتماعي والجنائي. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج ٣، ص٢٢٥٩. (2) المصدر نفسه.