رياض الزهراء العدد 190 الملف التعليمي
تَفعِيلُ الذَّاكِرَةِ البَصَرِيَّةِ وَالسَّمعِيَّةِ
إنّ الإنسان كائن ذكيّ، حباه الله بمضغتين لتطويره وتنويره، وهما القلب والعقل، وترويض الأول كفيل بتطوير الثاني، لذا فأنّ القرآن الكريم الذي نزل على المعلّم الأول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صرّح بهذه الحقيقة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعه:٢). إنّ القلب هو سلطان الجوارح وإمامها، وما ينبغي الإشارة إليه هو توجيه بوصلة التركيز والانتباه إلى العلم واكتسابه، وعليه فأنّ الاهتمام بشخصية الطالب وقوامه النفسي، ضرورة من ضرورات الذاكرة الذهبية، وذلك عن طريق تشجيعه، وإبعاده عن القلق المحطّم لمعلوماته، وشدّ انتباهه بطرائق شتّى، منها: ١- تفعيل الذاكرة الصُورية: يتمّ عبر خاصّية (الربط)، أي ربط المحفوظ بالمرئي، لاسيّما إذا كانت هذه الصور متحرّكة، فقد أثبتت الدراسات أنّ نسبة الأشخاص البصريين تبلغ (٧٥%)، فالبصر نافذة العقل، لذا إحدى الطرائق العالمية لنجاح المسيرة التعليمية هو تفعيل الذاكرة الصُورية لنقل المحتوى من الذاكرة المؤقتة إلى الذاكرة المستدامة. ٢- تفعيل الذاكرة السمعية: وهي طريقة فعّالة جدًا، لاسيّما إذا تمّ ربطها بسابقتها، وتشير العديد من الدراسات إلى أنّ هذا النظام بإمكانه تخزين كمّ هائل من المعلومات ولمدّة أطول، أي بمعدّل (3ـ 4) ثوانٍ أكثر من الذاكرة البصرية، فالبصر له رادع معيّن كغضّه، أمّا السمع فليس كذلك، والسمع يأتي أولًا، مثلما ذكر الباري تعالى: (...فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (الإنسان:2)، ومثلما قيل: اسمع وتكلّم، فإنّ تعلّم اللغات يتبع هذه الطريقة بالضبط، وكذلك حفظ القرآن الكريم، وتعلّم بعض أنواع الدروس العلمية على الـ(Data show). ٣- تنمية روح التعاون والمشاركة بين التلاميذ ومراقبتهم؛ لتحويل أفكارهم إلى واقع، بعد توفير ما يحتاجون إليه، وتطبيق الدروس عمليًا لترسيخها في أذهانهم. ٤- تسليط الضوء على الرياضة الجسدية والذهنية: وذلك عن طريق تفعيل مادّتي الرياضة والفنّية اللتين أصبحتا حبرًا على ورق، فتفكير الشخص الرياضي هو تفكير نَشِط ومنتج، وهذه المادّة ضروريّة، وقد نزل فيها أمر إلهي، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "علّموا أولادكم السباحة والرماية"(1)، ومثلما أنّ الجسد يتعب، فكذلك العقل يتعب، لذلك تُعدّ هاتان المادّتان أساسيتين في الدول الأوروبية، وهو الصحيح. وممّا يُؤسف له أنّ مادّة الفنّية التي تُعنى بالمهارات والمواهب كالكتابة بالخطّ الجميل، والرسم، وباقي المواهب، قد حُذفت من قِبل إدارة بعض المدارس بذريعة استغلال الوقت لباقي الموادّ الدراسية، فبعد انتشار التكنولوجيا، غدت الكتابة اليدوية تضمحلّ شيئًا فشيئًا، لذا فأنّ تفعيل مادّة الخطّ بتوزيع الكرّاسات الخاصّة به، والتي كانت توزّع في المدارس سابقًا، كفيلة بإكمال حلقة التعليم الفعّالة، المكوّنة من الصورة، والصوت، والكتابة، لذا فمن الأفضل تشجيع التلاميذ والطلاب على كتابة طموحاتهم وأنشطتهم اليومية؛ لما لها من تأثير واضح وجليّ في الواقع. ٥- الاهتمام السليم من قِبل أولياء الأمور بالأبناء: وذلك عبر استثمار أولياء الأمور للتكنولوجيا من أجل التثقيف، وخلق مساحة حرّة للطالب لمعرفة نفسه في ضمن وقت محدّد، وعدم الضغط عليه، أو مقارنته بزملائه بذريعة نجاح هذه الطريقة معهم في الزمن السابق، بل عليهم مراقبته وتشجيعه، وتحمّل عثراته وهفواته، فلكلّ زمان وسائله وأساليبه الخاصّة، فهذه الأجيال أمانة بيد الأهل أولًا، وبيد المؤسّسة التعليمية ثانيًا، وقد رُوي عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"(2). ............................................................ (1) الكافي: ج٦، ص ٤٧. (2) ميزان الحكمة: ج٢، ص ١٢١٢.