رياض الزهراء العدد 190 الحشد المقدس
(فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) (1)
هو صوت التقطته مسامعهم فكانوا له طائعين، تلك الأنفس الغالية والأرواح النفيسة قُدّمت على ساتر الحرب قربانًا لله والوطن، شهدوا لربّهم بالوفاء والنيّة الطاهرة، فرفعهم إليه بأبهى صور الكرامة وأعظمها، كان خصمهم مَن لا يرجو لله وقارًا، فآثروا الموت في سبيل الله على الحياة الدنيا، أَبَوا أن يضحّوا بكرامتهم، فكان حقيقًا على الله نصرهم وهم به مؤمنون، وكان حقًّا علينا أن لا ننسى أثرهم وأنفسهم الزكيّة، فمن سوء طالعنا أن لا يكون لهم في تفاصيل أيامنا نصيب، فهم قد بذلوا في سبيل بقاء الكرامة الغالي والنفيس، وأرخصوا أرواحهم الطاهرة لنحيا بعزّ وكرامة. ما إن انبثقت تلك الفتوى التاريخية، حتى خرجوا من كلّ حدب وصوب، وعلى الرغم من اختلاف انتماءاتهم، إلّا أنّهم جمعتهم راية الحقّ الخفّاقة، التي شخصت إليها أبصارهم، فتلمّسوا فيها الحرّية وقواعد الدين الرصينة، فكلّ منهم قد ترك خلفه عائلة، أمًّا، أو زوجةً، أو أولادًا، حتى أنّ بعضهم كانت بيوتهم من الطين، وبعضهم لا يملك من أرض هذا الوطن شبرًا، إلّا أنّ أرواحهم المليئة بالقيم العالية والأخلاق السامية أبت إلّا حياة العزّ أو الموت بكرامة، بهم انحسرت غيوم الذلّ والانكسار، وبهم رُدّت الحقوق إلى أهلها، رجال الله الأبطال لم تُلوَ لهم يد، ويد الله فوق أيديهم، بهم طهرت أرضنا من المعتدين واخضرّت، كانوا خير مَن طبّق أوامر الله (عزّ وجلّ) حيث قال: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة:190)، فقاتلوا وقُتِلوا، أو جُرِحوا، أو فقدوا جزءًا من أبدانهم، ثم لوّحوا بأطرافهم المقطوعة، يترنّمون بأهازيج النصر. فارتسمت على وجوههم ابتسامة الفوز بأعظم الكرامات، جعلوا من أجسادهم درعًا حصينةً لحماية الأعراض، ممّا لا يجعل لأحد حقًّا في إطلاق العبارات السيّئة والكلمات السلبية بحقّ ما قدّموه. إنّ مَن له قلب يفقه، وبصيرة نافذة، يستطيع تمييز الحقّ من الباطل، وكفى بالله رقيبًا وحسيبًا ووكيلًا، وليعلم جنودنا الأشاوس أنّ حرّيتنا المستردّة بفضل الله تعالى، وبدفاعهم، وبشموخ بلدنا، ودرعه حشد النصر والكرامة، أنّ الله قد أعدّ للمجاهدين في سبيله، والشهداء، والصدّيقين الثواب الجزيل والإحسان العظيم، فكلّ جهد أو عناء بذلوه لوجه الله، فهو بعينه تعالى أولًا، وفي وجدان شعبهم المحبّ ثانيًا. ..................................... (1) يوسف: 111.