قُوَّةُ التَّوَكُّلِ

ولاء عطشان الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 203

قرون مضت سنةً بعد أخرى، أرواح تغادر الحياة الدنيا، وأخرى تستقبلها الحياة، تغور في أيامها، تتعرّض لضرباتها، تتعثّر وتمضي، تنطوي الأيام سراعًا، وكلّ يعيش عمره برزقه وما قُدّر له، ومع كلّ الصعوبات التي تكتنف الحياة، إلّا أنّها تسير مسرعة بأيامها، فلا صعب يبقى ولا حال يدوم، تتسارع الدقائق وتحيط بالمخلوقات رحمة خالقهم، ينظر إليهم بعطف وحنان، وما من أحد يوكل أمره إليه إلّا كفاه. فمَن ركن إلى ذكره تعالى، اطمأنّ قلبه: (...أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)، ومَن ربط وجوده بالخالق الكريم وأدرك الغاية من وجوده، فلن يضعفه أصعب الصعاب، وسيمضي قدمًا بقوة وعزم لأنّه يمتلك اليقين والتسليم، وهذا ما كان لدى السيّدة زينب (عليها السلام)، قوة اليقين، والاطمئنان، والرضا الذي ملأ قلبها، فألهمها قوة الصبر والاستبشار بلطف الله ورضاه، فأجابت الظالم الفاسد بقوة، وثبات، واستبشار: (ما رأيتُ إلّا جميلًا)(1)، فلا يصنع الخالق العظيم الحكيم إلّا الجميل بعباده، وكلّ شرّ يصيبهم فهو ممّا كسبت أيديهم؛ لأنّهم خالفوا وضعفوا عن الاطمئنان إلى خالقهم، والثبات بقوة الإيمان به: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ...) (الشورى:30)، وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته في نهج البلاغة إلى أهمّية التسليم لله تعالى، وأنّه أساس الإسلام بقوله: "الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل، والعمل هو الأداء، إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه"(2)، إذ يؤدّي التسليم إلى الأداء الجيّد، أي العمل الصالح، حيث فاز العباد الصالحون الأولون بتسليمهم ويقينهم بأنّ الله مالك كلّ شيء، وأنّه قادر على كلّ شيء، وأنّه لا يغفل عن خلقه. وامتازت نساء كان لهنَّ دور كبير عبر ثباتهنَّ والدفاع عن الحقّ، فها هي امرأة فرعون، أصبحت مثلًا للذين آمنوا بتسليمها، وإيمانها، وقوتها، وثباتها، وتوكّلها. وعندما نتحدّث عن زينب الكبرى (عليها السلام)، فيكفي ما قاله بحقّها مولانا زين العابدين (عليه السلام): "...وأنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة..."(3)، فتلك الصابرة القوية وقفت بوجه الطغاة، ودكّت عروش الظالمين بصوتها الصادح بالحقّ، الكاشف عن الزيف والفساد، تحمّلت كلّ الصعاب، وتغلّبت على المفسدين، مستبشرةً بعدل الله ولطفه، مسلّمةً أمرها إليه، ومتوكّلةً على مَن لا يخيب لديه المتوكّلون. وقد أكّد الإمام الكاظم (عليه السلام) على التوكّل، وذكر ما له من أثر في مَن يتّخذه سلاحًا لمواجهة صعاب الحياة، إذ قال (عليه السلام): "مَن أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله"(4)، فنتبيّن من كلامه (عليه السلام) مدى ما يمنحه التوكّل للفرد من قوة، حيث يسلّم أمره ويمضي مستبشرًا، ويواجه كلّ ما يمرّ به برضا واطمئنان. ولمّا هدّد قوم هود هودًا بآلهتهم، تبرّأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم وتحدّيهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلّا التوكّل على الله تعالى: (...فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ...) (هود: 55 - 56). ومن نهج الأطهار (عليهم السلام) نستلهم، ونتحلّى بقوة الصبر والتوكّل. .................................... (1) بحار الأنوار: ج ٤٥، ص ١١٦. (2) المصدر نفسه: ج ٦٥، ص ٣١١. (3) الاحتجاج: ج ٢، ص ٣١. (4) بحار الأنوار: ج75، ص.327