الرِّحلةُ السماويّةُ

رجاء علي مهدي
عدد المشاهدات : 153

إن من العلوم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت خاتمة لكلّ الشرائع السماوية السابقة، ومتممة ومكملة لكلّ الأحكام التي جاءت بها تلك الشرائع. ولقد اختار الله محمداً (صلى الله عليه وآله) لهذه البعثة الإلهية وجعله نبياً مرسلاً خاتماً لكلّ النبيين، وبما أنها كانت رسالة خاتمة شاءت إرادة السماء أن يُبعث هذا النبيّ الأميّ في مجتمع هو من أصعب المجتمعات تقبلاً لأطروحات جديدة من هذا النوع؛ لبعدها عن المدينة وعدم تأثرها بالحضارات المجاورة لها التي نشأت قريباً منها، بل كانت الصحراء لها الأثر الواضح في ثقافتها. فجاء التسديد الإلهي مناسباً لهذه المهمة وهي انتشال هذه الأمة من واقع الجاهلية لينبثق منها نور الإسلام إلى أرجاء المعمورة كافة. لقد زوّد الله تعالى نبيّه الحبيب بمعاجز خارقة للعادة تأييداً له، منها ما كانت مرحلية آنية شاهدها من كان يعاصره أو يعاصر تلك الواقعة، ومنها ما كانت معجزة باقية خالدة عجز العرب عن الإتيان بمثلها وهي القرآن الكريم الذي تضمن تشريعات وأحكاماً وإخبارات، وكان كثير منها يوثق منزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلو شأنه عند الله (عز وجل) في مواضع عديدة من القرآن منها ما ورد في سورة الإسراء، إذ وثق رحلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كرم الله تعالى بها نبيه وخصه بها. إذ أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) قومه بأنه قد سافر في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس براحلة تُسمى البُراق، وهي رحلة كان العرب يقطعونها بأقل تقدير في أربعين يوماً، وأنه عرج به إلى السماء ليشاهد ملكوت السموات. وهذا ما لم تألفه العرب أصلاً، بل أنه وصل إلى سدرة المنتهى وكلمه الله تعالى. وقد جاء التوثيق الإلهي لهذه الواقعة في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا)/ (الإسراء:1). فبيّن الله (عزّ وجل) مرتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) السامية وقربّه منه باستعمال لفظة (عبده) وهي أعلى مرتبة يصل إليها الإنسان بقربه من الله تعالى، فكرّمه الله تعالى بأن يريه من آياته ليخترق عالم الزمان والمكان ويفتح باب العلم كلّه على مصراعيه فيتوقف الزمن لرسول الله (صلى الله عليه وآله). ويشير القرآن إلى هذه الحادثة في محل آخر في سورة النجم ويشهد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فكأنما القرآن يقول للمشركين: لا تستبعدوا ولا تستكثروا على محمد (صلى الله عليه وآله) فلقد حملناه على مركبة قطعت المسافة بسرعة عالية في وقت أنتم لم تعهدوا ذلك فلا تنكروا كلّ ما لا تعلمون فأنتم لا تعلمون كلّ شيء. وقد صلى بالأنبياء في بيت المقدس؛ لأنه أشرف الأنبياء وسيدهم وعرجنا به إلى السموات؛ لأنه لا يوجد مخلوق أقرب منه إلى الله تعالى حتى وصل إلى قاب قوسين أو أدنى دنواً واقتراباً من العلي الأعلى.