هَل سَيَأتِي الإِمَامُ المَهدِيُّ (عجّل الله فرجه) بِدِينٍ جَدِيدٍ؟
تتّخذ بعض الأقلام التعصّب دافعًا للبحث، وتضع أخرى الهوى هدفًا للكتابة، فتسكب رجسًا يفسد عقائد الناس، وتبثّ سمًّا يمرض قلوبهم، وتكتب نتنًا يلوّث عقولهم، ومن تلك السموم الادّعاء بأنّ الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) سيأتي بدين جديد؛ مُستندًا ـ على حدّ زعمهم ـ على بعض الروايات. ويمكن ردّ الادّعاء بالنقاط الآتية: أولًا: إنّ الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) معصوم، وهو أحرص الناس في الحفاظ على الدين، فكيف يُعقل أن يتركه ويأتي ـ معاذ الله ـ بدين جديد؟! وقد رُوي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "القائم من وُلدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنّته سنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربّي (عزّ وجلّ)، مَن أطاعه فقد أطاعني، ومَن عصاه فقد عصاني، ومَن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومَن كذّبه فقد كذّبني، ومَن صدّقه فقد صدّقني"(1). ثانيًا: لم تذكر أيّة رواية أنّ الإمام (عجّل الله فرجه) سيدعو الناس إلى دين جديد مثلما يدّعي بعضهم ذلك كذبًا وزورًا، بل رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا قام القائم، دعا الناس إلى الإسلام جديدًا، وهداهم إلى أمرٍ قد دُثر"(2). ثالثًا: إنّ الإمام (عجّل الله فرجه) هو مَن سيُحيي كتاب الله تعالى وسنة نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، وذلك بأن يرفض كلّ ما يتعارض معهما من أحكام غُيّرت، أو سُنَن عُطِّلت على مدى الدهور، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكره للقائم أنّه قال: "...يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي..."(3)، وبذا تتغيّر أحكام قد ألفها الناس، وهذا معنى قوله (عليه السلام): "دعا الناس إلى الإسلام جديدًا". رابعًا: من المعلوم أنّ الكثير من المسائل الفقهية المستحدثة لا دليل شرعيّ صريح ينصّ على حكمها، ومن هنا فإنّ الفقهاء عمدوا إلى استنباط حكمها من القواعد الفقهية المستنبطة من الروايات الشريفة، ومن ثمّ فهي وإن كانت مُبرئةً لذمّة المكلّفين والفقيه على حدّ سواء طالما بذل وسعه في العلم والاجتهاد، لكنّها تبقى أحكامًا ظاهرية؛ إذ الحكم الواقعي لا يعلمه إلّا الله جلّ وعلا والمعصوم (عليه السلام)؛ لما منحه الله تعالى من علم لدنّي يعلم به الأمور على حقيقتها. خامسًا: رُويَ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يرجع الحقّ إلى أهله"(4)، وغربة الإسلام إنّما تكون بتفريغه من أحكامه الصحيحة ونسبة غيرها إليه، فالصلاة مثلًا عند كلّ فرقة من فِرق المسلمين لها أحكامها الخاصّة بها، وبما أنّ الحقّ واحد لا يتعدّد، فممّا لا شكّ فيه أنّ هناك أحكامًا غُيّرت وبُدّلت، فيُحيي الإمام (عجّل الله فرجه) ما أُميتَ من الكتاب والسنّة، وينكر كلّ منكر، معيدًا إلى الإسلام صبغته الإلهية الحقّة، وبذا يكون قد دعا إلى الإسلام جديدًا، ورُوي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "...إنّ الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله (عزّ وجلّ) رجلًا منّا أهل البيت، يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكرًا إلّا أنكره"(5). ........................................................................................... (1) كمال الدين: ج2، ص411. (2) الإرشاد: ج2، ص383. (3) بحار الأنوار: ج ٣١، ص ٥٤٩. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص218. (5) الكافي: ج8، ص396.