اِمتِحانٌ عَسِيرٌ

فاطمة علي الوكيل/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 293

أشرقت شمس الصباح بنورها، وألقت ببهجتها على روحي وأنا جالسة في مصلّاي أتأمّل أشعّتها الخلّابة، أقرأ آيات من الذكر الحكيم، وفجأة خفق قلبي، وترقرقت عيناي، فماذا أرى في كلام الله تعالى؟ ما الإشارات هذه؟ تساءلت نفسي عن معنى هذه الآية التي أخذت بمجامع قلبي: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ (تبارك:30). رجعتُ إلى رواية عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) في معنى هذه الآية، حيث قال: "إذا فقدتم إمامكم فلم تروه، فماذا تصنعون؟"(1)، تلعثمتُ وضاق صدري، يا إلهي ما هذا الخسران الذي نحن فيه؟ نحن محرومون من نعمة رؤيته، ونُمتحن بغيابه، فماذا نفعل وهو السراج الذي يدلّنا على الطريق، والنور الذي نحتاجه لقطع دروب الشكّ والظلمات، ما هذه الحيرة يا إلهي؟ كيف لنا أن نتدارك الموقف ونتخلّص من حيرتنا؟ فعلى الرغم من شعوري الدائم بأنّ إمامي المهديّ (عجّل الله فرجه) معي على الدوام، لكن ألم الحسرة يقتلني، لأنّني لا أراه، فأشعر أنّ روحي تخرج مع زفراتي حزنًا وكمدًا، فجأة شعرتُ بيد حانية تربّت على كتفي، التفتُّ لأجد أبي يقرأ نظراتي الحائرة التي تعبّر عن لوعة فراقه. فقال: ما بكِ يا بنيّتي؟ ارتميتُ على صدره باكيةً: أريد ضالّتي لتسكن لوعتي. فراح أبي يحدّثني حديثًا أثلج صدري، وآنس فؤادي، وطمأن قلبي. ابتسم وقال: بنيّتي، هناك رواية نقلها الشيخ الطوسيّ (قدّس سرّه) عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدتُه ينكت في الأرض، فقلتُ له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّرًا تنكت في الأرض، أرغبةً منكَ فيها؟ فقال (عليه السلام): "لا والله ما رغبتُ فيها، ولا في الدنيا يومًا قطّ، لكنّي تفكّرتُ في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من وُلدي، هو المهديّ الذي يملؤها عدلًا وقسطًا، كما مُلئت ظلمًا وجورًا، يكون له حيرة وغيبة تضّل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون"(2). يا بنتي الغالية، هذه الحيرة التي أنتِ فيها، ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكن ليست الحيرة وحدها هي التي تخنق المؤمن وتقضّ مضجعه، بل الفتن والأهواء التي تكالبت علينا في عصر غيبته، لذلك فإنّ هذه المرحلة هي اختبار للمؤمن، وغربلة للمنتظِر الحقيقي الذي ينتظر مولاه بصدق، فقرّي عينًا حبيبتي، لأنّنا نشعر ببشائر الظهور قريبة إن شاء الله تعالى، ولننتبه إلى مزالق الطرق التي نستطيع أن نعبّدها بعبادتنا، ولنعدّ أنفسنا؛ لأنّ أمامنا امتحانًا عسيرًا، لكثرة العدوّ، وقلّة العدد والناصر، وشدّة الفتن، فكفكفي دموعكِ غاليتي، واستعدّي لذلك اليوم المبارك الذي هو آتٍ لا محالة. وأنا أنظر إلى ثغره الباسم وعينيه اللتين تشعّان بالأمل سكنت روحي، وهدأت نفسي، وناديتُ: أيّتها الشمس العزيزة، لن تكوني مشرقة يوم الظهور هكذا، لأنّ نور إمامنا المنتظَر سيشعّ في القلوب والنفوس والآفاق، وراية الحقّ سنراها خفّاقة، تعلو كلّ الرايات. ..................................................... (1) الغيبة للطوسيّ: ج1، ص ١٦٠. (2) المصدر نفسه: ج١، ص ١٦٥-١٦٦.