رياض الزهراء العدد 191 ركائز الإيمان
"إِيّاكُم وَالظَّنَّ..."
خديجة: قد مررنا سريعًا على بعض الأحاديث والروايات الشريفة، ووقفنا على بعض النقاط المهمّة التي تعرّفنا عن طريقها على الآثار السلبية التي قد تتولّد من سوء الظنّ. رقيّة: أجل، وهناك نقاط مهمّة أخرى جديرة بالذكر يمكن التطرّق إليها، منها ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "إِيّاكُم وَالظّنَّ فَانَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الكذبِ"(1). كوثر: لماذا عبّر عنه بـ(أَكذَبُ الكِذبِ)؟ رقيّة: لعلّه (صلّى الله عليه وآله) أراد بذلك أنّ الكذب في نفسه مُستقبَح تنفر النفس منه، فكيف إذا كان بإساءة الظنّ بالآخرين والقول بما ليس فيهم، فيكون أشدّ وأشنع. زينب: ما الأسباب الداعية إلى سوء الظنّ يا تُرى؟ خديجة: أهمّ الأسباب مثلما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) هو ضعف الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فعنه (عليه السلام) أنّه قال: "لا إِيمانَ مَعَ سُوءِ ظَنِّ"(2). وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): "وَاللَّهِ ما يُعَذِّبُ اللَّهُ سُبحانَهُ مُؤمِنًا بَعدَ الإِيمانِ إِلّا بِسُوءِ ظَنِّهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ"(3). رقيّة: وسوء الظنّ له مساوئ تؤثر في الظانّ نفسه كذلك، نذكر بعضها: الانعزالية وعدم الثقة بالآخرين: فيعيش الفرد الوَحدة والوحشة، فهو يشعر أنّ الآخرين يريدون الإيقاع به وإيذاءه، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَن لَم يَحسُن ظَنُّهُ استَوحَشَ مِن كُلِّ أحَد"(4). زعزعة الهدوء النفسي للظانّ وللمجتمع الذي يعيش فيه: فلا يجد الفرد الراحة والاطمئنان، بل يعيش في توتّر دائم، ويتصوّر أنّ الجميع يريدون الوقيعة به، فيعيش حالة الدفاع الموهوم عن نفسه، ومضافًا إلى ذلك فإنّ في الكثير من الموارد نجده يتحرّك من منطلق سوء ظنّه، ويترجمه إلى عمل وممارسة، ومن ثمّ يوقعه في مشاكل كثيرة، مثلما ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "مَن ساءت ظُنُونُهُ اعتَقَدَ الخِيانَةَ بِمَن لا يَخُونُهُ"(5). سوء الظنّ يُعدّ انحرافًا فكريًا: فإنّه يؤثر بالتدريج في أفكار الإنسان، ويقوده إلى طريق الانحراف، فتكون تحليلاته بعيدة عن الواقع ومجانبة للصواب، فيمنعه ذلك من التقدّم ونيل التوفيق في حركة الحياة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مَنْ ساءَ ظَنُّهُ ساءَ وَهمُهُ"(6). يتبع... ............................................... (1) ميزان الحكمة: ج6، ص965. (2) غرر الحكم ودرر الكلم: ص770. (3) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص 264. (4) ميزان الحكمة: ج 2، ص 1787. (5) المصدر نفسه: ج2، ص 1787. (6) المصدر نفسه.