رياض الزهراء العدد 191 الملف التعليمي
كَيفَ تُحَقِّقُ المُكافَآتُ عَطاءً دَائِمًا؟
يحتاج المربّي بشكل عامّ، والآباء بشكل خاصّ إلى رفد عملية التربية بعوامل تساعد على إنجاحها، وتسرع من التفاعل والاستجابة لغرس القيم، ولطالما كان أسلوب الإحسان من أهمّ المؤثرات التي تستهوي القلوب، فقد جُبلت على حبّ مَن أحسن إليها، ويُعدّ نظام المكافأة على الإنجاز وجهًا من وجوه الإحسان التي يمكن الانتفاع من تأثيره في توجيه سلوك الأبناء، وتحريكهم نحو ما نريد من إنجاز، أو تشجيع سلوك حَسن وديمومته، فعلى الرغم من كونها إحدى وسائل التربية الإيجابية، إلّا أنّ لها استراتيجيات مقبولة، وأخرى مرفوضة، ويُفترض انتقاء الأكثر نفعًا والأقلّ ضررًا، وملاحظة ما يكون منها ذا عطاء علمي عملي، وما يكون مجرّد محرّك وقتي منصرم ذا نتائج هشّة، فلابدّ من أن نقيّم كلّ نوع على أساس المعطيات؛ لتظهر مدى جدارة كلّ نوع بالاعتماد عليه، أو عدمه: 1- المكافآت المادّية: وهي قائمة على أساس منح جزاء مادّي، كشراء الألعاب، أو إعطاء النقود، أو نحوها عند إكمال الطفل فروضه المدرسية، أو من أجل تحلّيه بالصدق والأمانة مثلًا. 2- المكافآت المعنوية: وهي قائمة على مجازاة الإنجاز بالإكبار والافتخار، وتعظيم قيمة الفعل الذي أحسنه الطفل بأسلوب غير مادّي. والآباء وإن كانوا يلجؤون إلى الأول لسهولته ويسره وميل الأبناء إليه، إلّا أنّ الوقوف على سلبيات الدعم المادّي، وإيجابيات الدعم المعنوي يجعلنا نتوقّف عن اتّخاذه أسلوبًا أوحدًا في التشجيع. وسلبيات الدعم المادّي الذي تحبطه عن كونه الأسلوب الأمثل، لا تقتصر على عدم كفاءته في شحذ الهِمم، بل لتوليده مشاكل نفسية، وعرقلته للتطوّر الفكري، ووجه القصور فيه أنّه ليس إلّا مجرد محرّك ضعيف يفقد بريقه بمجرّد الحصول على الجائزة الموعودة، فيفتر الطفل عن الإنجاز من جهة، وجعله رهين المادّة، مقتفيًا أثر العطاء المحسوس من جهة أخرى، فتعطّل دوافعه عن عمل الخير ذي الثواب غير المحسوس مشكلة نفسية تغلب نفعه المحدود، وأمّا حيلولته عن رحاب التطوّر، فلكونه يحرم الطفل من أن يكون رائدًا في النجاح؛ لأنّ الهدف الذي يتحرّك نحوه هو النجاح من أجل المكافأة، لا النجاح بما له قيمة تستحقّ المثابرة وتتطلّب الصبر والمشقّة، فيورث الاقتصار عليه نقصًا في التكامل النفسي، وخللًا في رؤية الطفل للحياة، إذ لا يرمق من المقاصد إلّا المادّي منها. من هنا تبرز أهمّية المكافآت المعنوية التي تسهم في الصحّة النفسية، وتطوير الجانب المعنوي؛ لأنّها ترتكز على شكر العمل، وتقدير السلوك الحَسن، وأنّ قيمة كلّ فرد ما يحسنه، فينتج عن الإشادة بما قدّم تكوين شخصية متميّزة تشرف على ذاتها، وتطوّر مهاراتها، وتسعى إلى تعميم العمل الجيد، ومواصلة الإنجاز، وتنمية الذات؛ لأنّها أثمرت فيه روح المثابرة وجذوة المواصلة، وهذا لا يعني أن يكون الدعم النفسي مقتصرًا على تعابير المدح والثناء والتربيت على الأكتاف، بل يمكن أن يظهر الرضا عن السلوك بمجموعة من الفعّاليات، من قبيل منح الطفل لقبًا تكريميًا، أو شارة التفوّق، أو بطاقات يُكتب عليها فضل الفعل المميّز الذي أدّاه، أو سفرات ترفيهية ودينية، وكلّما تضمّن ذلك روح المفاجأة واقترن بزمان يحتاج فيه إلى التنفيس، منحت أثرًا أكبر.