الشَّهِيدُ الصَّغِيرُ

جنان صالح بارون/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 177

قال الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران:169)، إنّي أشعر به في كلّ زاوية من زوايا البيت، أشعر أنّ روحه معي أينما أذهب، كأنّها تطوف حولي، وكأنّ يديه الحانيتين تمسحان دموعي، أسمعُ صوت ضحكاته ودعاباته، أتأمّل في كتبه ودفاتره التي دائمًا كان يكتب عليها: الشهيد البطل...ذاكرًا اسمه. أحيانًا ألوم نفسي لأنّي أنا مَن زرع حبّ التضحية والعشق الإلهي في قلبه منذ صغره، فكان يتلهّف ويتمنّى أن يؤدّي دور القاسم (عليه السلام) في أيام عاشوراء، كان يرى نفسه هناك مع الحسين (عليه السلام)، ولم تسعه الدنيا فرحًا حين أُعطي دور القاسم (عليه السلام)، كبر مع حلمه، وتقمّص الشخصية التي أصبحت لا تنفكّ عنه في أيام حياته القصيرة، إنّه صغيري الذي كنتُ أرسم له أجمل مستقبل، وأقرّ عيني به. مرّت السنون، وحصل الذي حصل، وجاءت فتوى الدفاع الكفائي، جاءني ووجهه كزهرة توليب متعبة، محشورة في زجاجة، قائلًا: لستُ صغيرًا على هذه الحرب، إنّها معركة العشق يا أمّي، ولستُ أقلّ عشقًا من غيري، بكلمة منكِ سأصعد. اقتربتُ منه، أمسكتُ بيديه، ابتسمتُ مع إيماءة منّي بالموافقة، ابتسامتي مغطّاة بالدموع، ارتدى ملابسه، كم كان سعيدًا بها كأنّه طفل يتيم أُعطي ثوب العيد، ذهب صغيري تاركًا كلّ شيء وراءه، مدرسته، كتبه، أصدقاءه؛ لينال الشهادة، ويُزفّ كزفاف الأمراء، أنا ألبستُه هندام الحرّية، أراه يختار الكلمات الأخيرة عند عناقه الأخير، أمّي ارضي عنّي، وأراه يحلّق بعيدًا إلى وطنه الذي لا حدود له.