بِشارَةُ الهَاشِمِيِّينَ

زينب عبّاس فرهاديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 219

شئتَ وشاء الله يا أمير القلوب.. فكان للفضل أبٌ.. نورًا ينتقل بين الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة.. ـ "انظر إليّ امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب..."(1) لم يكن طلبًا لزيجةٍ طيّبة الأصل، مباركة الفروع فحسب، بل إنّها الرؤية الاستشرافية للإسلام غدًا؛ بيد مَن تكون رايته؟ وعلى يد مَن حمايته؟ مَن درعه، مَن خوذته، مَن لامته؟ الزهراء (عليها السلام) قلبه وحياته ودّعت الدنيا؛ مودّعةً قلبه الرؤوم.. مودّعةً براعم القداسة الثلاثة.. والمكائد من حولهم تُحاك.. والخبائث تنهال عليهم كالسهام.. يجابهها أمير المؤمنين (عليه السلام) بيقينه المعهود بربّ العزّة جلّ وعلا.. يخترق صعاب الليالي والأيام.. وتجيء على صهوة المجد والعفّة مجلّلةً بالنور، سيّدة الكرامة والسؤدد، مكلّلة بالنور.. رؤياها الكريمة قد جعلها ربّي حقًّا سيّد بني هاشم، بطل العرب، أمير المؤمنين (سلام الله عليه) زوج لبنت حزام الكلابية (فاطمة).. تدخل دار مواليها بكامل إيمانها، وعالي يقينها، وفائض معرفتها بحقّهم ومكانتهم عند الربّ الجليل.. تخطو بخطوات حبّها إلى قلوب أهل الدار قبل الدار، ولا تريد إلّا فوزًا برضا الله تعالى في كلّ عمل ونيّة؛ طاعة وقربة.. تستبدل اسمها مودّة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا ترى نفسها في دار ساداتها فاطمة.. لِتلج دار الصدّيقين (سلام الله عليهم) برتبة (خادمة).. فتندكّ وتتلاشى بمحضر ساداتها مذ أول نَفَس لها على أعتاب دار سيّدتها، ومنار طريقها وقلبها الصدّيقة الزكيّة (عليها السلام).. تهدهد بأحلامها الغضّة وليدها، تلقّنه ما أفاضت عليها السماء من حكمة وعلوم.. كأنّي بقلبي يراها ويسمعها على تلكم الحال؛ تحاكي جنينًا له ما له من الشرف والمكرمات.. تقترب ساعات المخاض من بشارة الهاشميين! عين العقيلة ترقب، نظرات الحسنين ترمق.. سرعان ما وُلِد صغيرهم الأزهر، قمر العشيرة الأنور.. لتزدان الدنيا بكفّيه الفيّاضتين بالجود والفضل، بالوفاء والإباء.. ولا عجب، فحِجْر القداسة والطهارة يسقيه فيسقيه، وبولاء أكرم الخلق ونصرته يغذّيه.. تنهال عليه علوم محمّد (صلّى الله عليه وآله) من أبيه وأخويه وأخته مع كلّ طرفة عينٍ.. ليُصنع العبّاس، حامل لواء الإسلام مطواعًا بين يدي مواليه، كرّارًا على أعاديه أخًا، وناصحًا، وناصرًا، ومحاميًا لإمام زمانه يوم ينادي: "ألا من ناصر ينصرنا..."(2). وملهمًا، ومعلّمًا، ومفهّمًا لكلّ الساعين، المسارعين إلى نصرة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) بنوايا خالصة زاكية، ومساعٍ مباركة نامية، مصاديق: "...ونصرتي لكم معدّة..."(3). ........................................... (1) عمدة الطالب: ص٣٥٧. (2) فاجعة الطف ج1,ص29. (3) بحار الانوار ج 53,ص98.