تَحتَ قُبَّةِ الحَقِّ

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 213

جميلة تلك اللحظات التي تغرقكِ في مشاعر روحانية تأخذكِ إلى عالم آخر لا ينتمي إلى هذا الكون.. ولأنقذ نفسي من مشاعر الأشواق تلك، خرجتُ أتتبّع آثار الحنين.. فأخذتني هناك حيث امتدّ ظلّكِ المقدّس قربي قبل أشعّة الشمس.. يدلّني على مكان اللقاء.. فحين ألتقيكِ، بين دهاليزكِ يا مدينتي الحبيبة يستقرّ بي المقام.. فكلّ الهموم بخافقي تتبخّر وعيني التي ما جفّ يومًا دمعها بالحبور تتزيّن.. وأحرق كلّ ألم فيّ تحت شعاع شمسكِ.. حين ألتقيكِ يهجر نبضي أضلاعي ويطير يرفرف يهمس اشتياقكِ.. فينتشر جمالكِ مع الأنفاس ليختار عشرات المآذن لتعلو بالتكبير بجمال يليق بجمال معناكِ، وتتحقّق أمنيّتي في أن أكتب على جبين أيامكِ الملوّنة بألوان السماء.. هذا اليوم المنتظر المعطّر بعطور ربّانية، نسماته تمحو آلام الأيام القاسية، وتحمل فرحة شعبانية تتدلّى مع أغصان شجرة طوبى.. تعانق القلوب الولهة، واحتضنت كلّ العيون المتلهّفة المنتظرة ولادةً تعسّر حالها.. ومولودًا معصومًا سجد على الأرض ليحمل لقب السجّاد.. ونظرة خجل في أول اللقاء لتسكن الهمسات في الشفاه.. وتنطق العيون بدموع تحمل فرحة امتزجت بوجع الفقد وأُصيبت بنيران البُعد.. وتسمع الدنيا خفقات أجنحة الملائكة المبتهجة التي حلّقت حول ذلك المولود المبارك فقد جاء إلى الدنيا أملًا منسوجًا من فتيل السحاب.. لتراه عيون الأب المشتاق لذلك النور البهيّ المكمّل لصورة الأنوار الموعودة بالرسالة من طراز بهيّ بأمر إلهي من مبزغ الضياء.. فاستبشر بوجهه العلويّ فسمّاه عليًّا لتتوشّى ذاته المقدّسة بذات الإمام الأول، جدّه عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) الذي طيّبه بأسرار الذكر العطر.. وغلّفه بفيض حنانه ومدّه بعلمه وحلمه فتلاقفها السجّاد (عليه السلام) في وعاء روحه وخزنها في أعماق وجوده، وملأ صدره بعنفوان المجد والشجاعة من عنفوان جدّه عليّ وأبيه الحسين (عليهما السلام)؛ لينسج فيما بعد كلّ ما أخذه عنهما من دفق سماوي فينبثق من جديد على شكل سِفر مشعّ مصوغ بإطار فخم مطرّز بأحرف الحكمة، وَهجها الأيمان واليقين، وما هي إلّا قطرة من خزائن الإرث النبويّ المليئة بعقود الجوهر. إنّ اللحظة التي تناول فيها الإمام الحسين (عليه السلام) ولده زين العابدين (عليه السلام) هي لحظة نقلت الكون إلى قدسية العبادة، ونشرت التهليل في حروف الصلاة لتستنير بها رحابكِ الجليلة يا مدينتي القديمة، وهي كفيلة باسترجاع أفراحكِ إلى مناديلك الزاهية، لتُدخل إلى فسحاتكِ الرحبة زهو الابتهاج لترتشف بشوق بلسمًا تحت طاقة المِحراب مفعمًا بالسرور، وليرشقها نور ذاب فوق طيّاتكِ نعيمًا يسبغ لذّةً في أرواح المحبّين وهم يتناجون تحت قبابكِ في خلوة خاشعة تردّهم إلى الحقّ المبين.