رياض الزهراء العدد 191 المرفأ الثقافي
التَّراجُعُ عَن الرَّأي
مهما علا شأن الإنسان وطال به الزمان، فلا بدّ من أن يقع في الخطأ؛ لأنّه من طبيعة البشر، فلا يمكن أن نتوقّع أعمالًا من غير أخطاء، ولا علاقات اجتماعية مستمرّة من دون خصومات بسبب الأخطاء، ولا قرارات صائبة دائمًا، لكن في كلّ مرّة نرتكب فيها خطأً أو ذنبًا تكون أمامنا فرصة للتراجع وإصلاح الخطأ، فالإنسان العاقل هو الذي يستفيد من أخطائه ولا يستمرّ فيها. ويكون التراجع عن الرأي الخاطئ ضروريًا في المواقف التي يُحدّد فيها المصير، فالعاقل إذا ارتكب خطأً ما، سارع إلى تصحيحه وتعديله، فمن شِيم العظماء التراجع عن الأخطاء والاعتراف بها، ممّا يدلّ على رجاحة العقل، وصواب الرأي، وكلّ منّا لديه محطّات في حياته يتراجع عنها، ويصحّح المسار، ويعالج الأخطاء التي وقع فيها قبل أن تستفحل ويصعب علاجها، وقبل أن تصبح معضلة يعيشها، وتعكّر عليه صفو الحياة، وقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "ليس شيء أحبَّ إلى الله من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة"(1)، فالتوبة هي دعوة صادقة للتراجع عن الأخطاء. ولا يُعدّ التراجع عن الرأي هزيمةً، بل أحيانًا يكون الانسحاب والتراجع عن الرأي هو النصر بعينه عندما يوقن الفرد بأنّه يقف في صفّ الباطل ويقاتل مع الشيطان، فالخروج من الصفّ والتراجع قوة، مثلما حصل مع الحرّ بن يزيد الرياحيّ الذي تراجع في اللحظات الأخيرة عن رأيه الخاطئ، والتحق بركب الإمام الحسين (عليه السلام) ليكون من أنصاره، فهذا التراجع يُعدّ رجوعًا إلى المسار الصحيح للفوز بالكرامة والخلود. وينبغي مراعاة الآداب الآتية مع الأفراد: 1 ـ عدم التسرّع في إبداء الآراء. 2 ـ عند إبداء الرأي أو طرح فكرة ما، فيُفضّل أن يكون العرض على شكل مقترح قابل للنقاش مع الآخرين، وأخذ آرائهم. 3 ـ عند لفت انتباه الشخص المخطئ إلى خطئه، فينبغي الإشارة إلى الخطأ بشكل غير مباشر، وتحدّث المتكلّم عن أخطائه وتجاربه مع التراجع عن الرأي. 4- لا يكون مجرّد الإخبار بالخطأ، بل إثبات الخطأ عبر الدليل, مع مراعاة احترام رأيه، حتى لا تدخل العصبية والعناد ويتأزّم الموقف. 5- يُستحسن أن تكون محاولة ثني المخطئ عن رأيه على شكل تقديم مقترح، أو على شكل طرح أسئلة، من قبيل: هل تعتقد أنّ هذا الأمر ينفعكَ؟ أو: فعل جيد، لكن ما رأيكَ بهذا؟ وغيرها من العبارات الهادفة، لا بصورة إعطاء الأوامر والإكراه. ............................... (1) ميزان الحكمة: ج ١، ص ٣٣٨.