رياض الزهراء العدد 191 بريد الرياض
أَنَا وَحَبَّةُ الدَّواءِ
كان يومًا من أيام الشتاء الباردة عندما أُصبتُ بالحمّى، مع آلام شديدة في الصدر، فذهبتُ إلى المستشفى، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، أخبرني الطبيب بأنّني مصابة بالتهابات شديدة في منطقة الصدر، فوصف لي مجموعة من الأدوية، فخرجتُ من المستشفى وذهبتُ إلى الصيدلية وصرفتُ الوصفة. صرتُ أنظر إلى الأدوية وأتمتم في نفسي: لماذا هذا الدواء يُؤخذ (3) مرّات في اليوم، وذاك (4) مرّات؟ سمعني الصيدلانيّ، فقال: - سيّدتي الفاضلة، لكلّ دواء مفعوله، فمثلًا هذه الكبسولة تُؤخذ كلّ (6) ساعات؛ لأنّ الدواء يؤدّي مفعوله في غضون هذه المدّة، وبعدها ينتهي مفعوله، ولذلك تُؤخذ حبّة أخرى كي تنجح عملية الشفاء، أمّا الدواء الآخر، فيعمل لمدّة نصف نهار، ثم ينتهي مفعوله، لذلك يأخذ المريض الدواء مرّة أخرى كي تكتمل عملية الشفاء، إذن علينا أن نستمرّ بأخذ الدواء حتى نتعافى من المرض، أليس كذلك؟ وإذا كنتِ حريصة على صحّتكِ فعليكِ بالالتزام بأخذ الدواء في أوقات محدّدة. - حسنًا يا ولدي، لديّ سؤال آخر... - تفضّلي سيّدتي. - إذا لم نأخذ الدواء في أوقاته، فماذا سيحصل؟ - ستتعسّر عملية الشفاء، وقد تتأزّم حالة المريض، لأنّ بقاء المرض في الجسم لمدّة أطول، سيقوّي المرض ويزيده. - يعني أنّ المرض يفرح إذا لم يأخذ المريض الدواء في أوقاته؟ - أجل، فعلًا يا سيّدتي، سيفرح كثيرًا، وربّما يقيم حفلة! - فعلًا، سيقيم حفلة ويدعو إليها جميع الأمراض كي تتكاثر في جسم هذا الإنسان المتكاسل عن أخذ دوائه. - أجل، وللعلم أنّ الأمراض في بعض الأحيان تتحايل على الجسم! - تتحايل! كيف ذلك؟ - في بعض الأحيان يقوم المرض في منتصف مرحلة العلاج بإخفاء نفسه عبر تهدئة الآلام، وإيهام المريض بأنّه قد تحسّنت صحّته، فيترك العلاج، لكن المرض سيظهر حينها بشكل أقوى وبسرعة كبيرة، ليجعل الجسد يهوي بسرعة كبيرة، فيبقى المريض مندهشًا من عودة المرض إليه بهذا الشكل القوي. - سبحان الله، جميع ما قلتَه يذكّرني بأمر عجيب! - بماذا؟ - هل تعلم يا ولدي أنّ روح الإنسان تمرض مثلما يمرض الجسد؟ - بكلّ تأكيد. - وهل تعلم أنّ عليها أن تأخذ العلاج كي تشفى؟ والعجيب أنّ هناك دواءً يُؤخذ (4) مرّات في اليوم، وآخر (3) مرّات! - ما ذاك العلاج يا سيّدتي؟ - عندما تمرض الروح، فعليها بالصلاة في ثلاثة أوقات في اليوم. - الصلاة؟! - نعم الصلاة، ويجب أيضًا أن تُقام في أوقاتها، فأيّ تأخير في أدائها، سيعذّب الروح أكثر، وهناك أمراض تحتاج إلى صلاة رابعة، وهي صلاة الليل، ففي قيام الليل سوف تزول جميع الأمراض التي تصيب الروح. - صدقتِ يا سيّدتي. - وهل تعلم أنّ سُقم الروح من الشيطان، وهو يفرح جدًا إذا لم تأخذ الروح علاجها في الوقت المناسب؟ بل ويحتفل، وأيضًا يقوم بالتحايل على الفرد كي لا يصلّي، ويزيّن له النوم كي لا يقوم إلى صلاة الفجر، ويقدّم للروح الأعذار للتملّص من الصلاة، بينما هو يكبر ويتغذّى من ألم الروح، إذن علينا أن نداوي أرواحنا، ونسعى إلى أخذ الدواء في أوقاته مثلما نأخذ حبّة الدواء هذه. - سبحان الله العظيم الذي جعل لكلّ مرض دواءً، حتى مرض الأرواح.