رياض الزهراء العدد 90 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيَات_27
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)/ (النور:43).بيّنت الآية التي تناولنا تفسيرها سابقاً أمراً عاماً خافياً عن الأبصار، وهو تسبيح الموجودات وحمدها لله (عزّ وجل). أمّا هذه الآية فتتعلق بالريح والسحاب والمطر والثلج أو ما يسمّيه العلماء بـ (الكائنات الجوية)، وهدف القرآن الكريم في هذه الآية يختلف عن الهدف الذي يسعى وراءه عالم الأنواء الجوية, بل هو يهدف إلى إيضاح الأمور المتعلقة بتوحيده (عزّ وجل) والأبعاد المعنوية لذلك، وهي تصف الأحداث التي تقع لا في الأرض ولا في السماء بما تعنيه من حدود الشمس والقمر والنجوم، وإنما تصف الجو المحيط بالأرض وتُسمى بـ (الأحداث الجوية) من قبيل (تكاثف الغيوم في الجو، وحركة الريح، وهطول الأمطار، ونزول الثلج والبَرد، والعواصف والأعاصير التي قد تكون في بعض الأحيان نعمة أو قد تكون بلاءً)، وهي على العموم أمور تتوقف عليها حياة الكائنات الحية ومنها الإنسان.(1) قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ). تخاطب هذه الآية النبي (صلى الله عليه وآله) وكلّ مخاطب فتقول: إنّ الله تعالى (يُزْجِي)، والإزجاء قال عنه المفسرون: بمعنى سوق الشيء برفق وسهولة، أمّا (السحاب) قال عنه ابن منظور(2): هو الغيم الذي يتكون منه المطر، وسمّي بذلك لانسحابه في الهواء. وكيفية تكوين المطر وإنزاله: أنه تعالى يسوق بقدرته السحاب أول ما ينشئه بعضه إلى بعض, بعد أن يتكون من بخار الماء الصاعد من البحار، ثم يجمع ما تفرق من أجزائه في وحدة متصافة, ثم يجعله (رُكَامًا) أي كثيفاً متراكماً بعضه فوق بعض يتكون منه سحاب عالٍ في طبقات الجو الباردة، ثم يسوق ذلك السحاب بالرياح اللواقح إلى المكان الذي يريد إنزال المطر فيه، وعبّر القران الكريم عن ذلك بآية (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا).(3) أمّا الآية (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ)، فالودق هنا بمعنى: حبات المطر التي تخرج من بين السحاب الكثيف الذي يعدّ غربالاً للمطر، ولولا هذا السحاب لأفسد المطر كلّ ما يقع عليه، وهذا دليل على حكمة الله (عزّ وجل) وعظمته. وكلمة (خلال) جمع خلل، وتعني الفرجة بين الشيئين، أي يخرج المطر من بين فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والإعصار. ثم أشار القرآن الكريم إلى ظاهرة أخرى من ظواهر السماء المدهشة وهي جبال السحب إذ قال (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) أي: من جبال السحب التي في السماء تنزل قطرات المطر على شكل ثلج وبرد (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ), فتكون بلاءً لمَن يريد الله (تعالى) عذابه، فتصيب المزارع والثمار فتتلفها، أو قد تصيب الناس والحيوانات فتؤذيهم، أو يدفع ضرره عن مَن لم يرد تعذيبه كما في قوله تعالى: (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ). وذلك كلّه بقدرته (تعالى). ماذا نعني بجبل السحاب: ربّما يتبادر إلى الأذهان سؤال؛ ما هذا الجبل الذي في السماء الذي ينزل منه البَرَد؟ قال بعضهم: كلمة جبال هنا جاءت كناية فمثلاً نقول: (جبال من العلم أو الغذاء). وقال آخرون: إنها السحب المتراكمة بحيث تشبه الجبال. وفي نهاية الآية يشير القرآن الكريم إلى إحدى الظواهر السماوية التي هي من آيات التوحيد فيقول: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ): إنّ السحب المؤلفة هي في الحقيقة من ذرات الماء تحمل في طياتها الشحنات الكهربائية وتومض وميضاً يذهل بريقه العيون والأبصار، ويصك رعدها السمع في صوته، وربّما اهتزت له جميع الأجواء.(4) ............................... (1) تفسير سورة النور: ص139-140. (2) معجم لسان العرب: ج6، ص185. (3) الحياة السعيدة في ظل سورة النور: ص226. (4) تفسير الأمثل: ج11، ص86.