رياض الزهراء العدد 90 معا نحو الظهور
الأَمَانُ المَوعُود
في ظل ظروف البلد المزرية، ورياح السموم المنتشرة، وصيحات الكفر المتعالية، تزداد الحاجة الملحّة إلى ظهور المخلّص عقب الويلات المتتالية التي تتوالى على سماء هذا البلد الممحّص بالبلاء إلى ما لا انتهاء. حكايات وجع تدمي القلوب، وغصّات ألم ترتمي بالنفوس، والجمع المتوسم بالحزن ينتظر الظهور حتى نفد الصبر، كانتظار الفجر بعد ليل بهيم، وكانتظار الشمس إذا غيّبتها الغيوم. عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك عندما سأله هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): “إي والذي بعثني بالنبوّة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب”.(1) لهذا أصبح الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ساكناً في وجدان محبيه ومنتظريه، ولهذا حُفر كرسم مقدّس في قلوبهم العطشى لطلعته الغرّاء، ولهذا عرشت الأماني تلك القلوب التوّاقة، بعد كم الأحزان الهائل الذي ينهال على شيعته باستمرار من دون هوادة، ليمنحهم دفعات من الصمود، ويهبهم شحنات من التحدّي في درب الكفاح المرير. ولعلّ أسعد تلك الأماني تهفو في أيام تتويجه الميمون، حينما استلم زمام الأمور في التاسع من شهر ربيع الأول، قال ابن حجر الهيتمي المكي في ذيل ترجمته للإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (..ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة..).(2) لذا صار من الحتمي في أعقاب ذلك الانتظار أن يحرص الموالي على جملة من التوصيات التي تُعبّد الدرب للظهور، منها ما ورد في الروايات كما جاء عن الإمام علي (عليه السلام): “أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله”.(3) وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): “مَن مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف”.(4) وانتظار الفرج هو أن يثبت الإنسان على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وأن يعتقد بإمامة الإمام الثاني عشر ووجوده وغيابه، ولا ينحرف عن هذه العقيدة، فالانتظار ليس أن ينزوي الإنسان على نفسه، ويبتعد عن العمل في سبيل الله (عزّ وجل)، وليس الانتظار أيضاً معناه أن يقوم الإنسان بواجباته العامة؛ (لأن واجباته العامة لم تسقط عنه) فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي واجبات على المسلم في عصر ما قبل الغيبة وفي عصرها.. إنما انتظار الفرج هو أمر عقائدي مرتبط بالاعتقاد بالولاية وبإمامة الإمام نفسه، في زمن سوف تظهر فيه التشكيكات وسينحرف فيه بعض الناس، فمَن ثبت على ولايته وعقيدته فهو الفائز؛ لذلك فإنّ انتظار الفرج أفضل الأعمال؛ لأنه وعاء لجميع الأعمال التي تليه، ولأنه هو شرط قبول كافة الأعمال، فلا عمل إلا بالولاية. فأيّ أمان يعد به الإمام أرواحنا لمقدمه الفدى شيعته ومحبيه، إنه صكّ الرحمة المبتغاة، وعربون الولاء، وبطاقة الدخول إلى رضا الباري والجنة، يا لأطياف ذلك النور الساطع الذي سيهب من سنا وجهه الوضّاء، ويا لزمن تنعم البشرية جمعاء برحاب ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)!! إنه أمان مَن لا أمان له، وأمل مَن لا أمل له، وناصر مَن لا ناصر له، حريٌّ بنا أن نبحر عبر ذاكرتنا متأملين تلك الأجواء الإيمانية التي ستحيط بآفاق الأرض أثر وجوده الميمون؛ لنستنشق عبيرها، وننعم بأفيائها حتى يوم الظهور الموعود. .................................. (1) ميزان الحكمة: ج1، ص184. (2) الصواعق المحرقة: 206. (3) ميزان الحكمة: ج1، ص182. (4) ميزان الحكمة: ج1، ص183.