رياض الزهراء العدد 192 أنوار قرآنية
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)
اعتزل بركنه المضطرب، وضربات نبضه متسارعة، شهيق وزفير، كأنّ الدنيا أخذت أنفاسه وأعطته القليل من رمق الحياة ليكون على هامشها. على أعتاب أفكاره جلس يقرض أظفاره قلقًا، عسى أن يضع طاقته السلبية فيها، كأنّ القلق لحظتها أخذه إلى مكان سحيق! راحت الأفكار تخاطبه: ما بكَ، ما الذي جرى، هل للهوى في اضطرابكَ نصيب؟ أجاب: أنا خائف من غدر الزمان، هجر الإخوان، تغيّر مَن كان سندًا في كلّ آن، حتى ذاك الذي عددتُه راحة المكان! قد ينسى الإنسان أنّ بعض الأفكار هي من وحي الإلهام، من عالم الروح تنزل على قلبه ليشعر بالأمان، وما الإنسان بدون الاطمئنان إلّا رماد يتناثر في الهواء. هنا أتى الجواب كلمسة حنان تدفئ قلبًا أصابه انجماد البُعد عن الحقيقة الدامغة والحجّة البالغة، صوت الروح كبصيص نور أضاء ظلام التشتّت: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة:137). يا عبد الله: أليس الله بكافٍ عبده؟! لِمَ الخوف والتشاؤم من أيام مستقبل مبهم، فما ظنّكم بربّ العالمين؟! أيترك الحبيب مَن خَلَقه وأودع فيه الحياة؟! لكن ما قدروا الله حقّ قدره . قُم يا عبد الله وافتح باب الرجاء على مصراعيه، وسلّم أمركَ إلى الخالق، أتمم واجباتكَ في هذه الحياة الدنيا، ودَعْ سهم الهدف يصيب محلّه، وما سهمكَ إلّا التسليم لتجيد التصويب، فالله تعالى يقلّب القلوب كأنّها لم يصبها حزن يومًا ما. انهض واجعل قلبكَ منشرحًا بذكره، فمَن خلقكَ قد تكفّل بكَ، وإذا كنتَ وحيدًا، فريدًا، محزونًا، مبتلىً، فليس ذلك إلّا لتكامل الروح، أسمعتَ يومًا عبدًا تكامل في الراحة؟ لا أبدًا، إنّما البلاء من المرديات وقاء، ولقربكَ يقين، ولضياء روحكَ البقاء، وتذكّر دومًا: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ).