الحَنِينُ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 330

ليلةٌ شتوية باردة، ومدفأة تصدر أصوات فرقعة الحطب المشتعل، تمتدّ الأيدي الصغيرة الجميلة لتنال القليل من الدفء وسط أجواء يغمرها الحبّ والمودّة تحت سقف واحد، وغالبًا ما يكتمل هذا المشهد بوجود أوانٍ زجاجية من الحساء الدافئ الذي أعدّته الأمّ بمكوّنات يفوح منها أريج الطمأنينة والسعادة. ربّما عاش بعضنا هذا المشهد، أو رآه عبر شاشة التلفاز، وبكلّ الأحوال ترتسم ابتسامة رقيقة نقيّة على مُحيّا مَن سمع بذلك، وفي تلك الأجواء المفعمة بالمشاعر الدافئة يتولّد ارتباط عاطفي طويل الأمد يصل إلى سنوات لا نعرف لها حدودًا أو نهاية، ولعلّ طبق الحساء بسيط المكوّنات مثلما هو معروف، لكنّه غنيّ بالأثر والمعنى، فهناك مصطلح قد يعرفه البعض وهو (Comfort food) وعند ترجمته إلى العربية يكون بمعنى الطعام المريح أو الطعام الذي يجلب الراحة، فهو الطعام الذي ربّما يكون متواضعًا جدًا مادّيًا، إلّا أنّه يحمل الكثير من القيمة المعنوية والعاطفية التي تسهم في إسعاد المحيطين. من الممكن الاستعانة به لتخفيف الضغوط أو إشاعة الطمأنينة والطاقة الإيجابية، فبمجرّد ذكر الاسم المعيّن لنوع ما من الطعام الذي كانت تجتمع عليه الأيدي، أو وصف المكان والهيئة التي كان عن طريقها يتمّ إعداده، نجد أنّه بلمح البصر تبدأ كلّ الصور والمقاطع تتسلسل وتقفز من الذاكرة البعيدة لتصبح أمام أعيننا كأنّها آنيّة في الوقت الحاضر، بل إنّ الموضوع لن يقتصر على الصور فقط، وإنّما سيتخطّاها إلى المشاعر؛ لتتزامن معها ردود فعل الجسد، من حركات اليدين أو رفع الرأس والنظر قليلًا إلى الأعلى في هيئة التذكّر التي غالبًا ما نراها عندما يحاول أحد ما أن يتذكّر أمرًا معيّنًا. وهنا تلوح في الأفق الآية الكريمة:(وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21)، فسبحان الله، لو أنّنا فقط وضعنا تلك النقطة البسيطة جدًا واستثمرنا الذاكرة لخير البشرية التي عن طريقها نستطيع أن نشعر بمتّسع من الإيجابية والتفاؤل حين نستعيد الطمأنينة عبر جلبها من الماضي، فالعلاقة العاطفية التي تربط الطفل بأمور معيّنة مثل الطعام، المكان، العطور التي لها وقع في نفسه، كلّ ذلك وغيره من الطرق التي تضفي على حياتنا جمال السعادة ورونقها، وبحركة ذاتية بسيطة لا تحتاج تدخّلًا من الخارج نساعد مشاعر الحنين على تنفّس الصعداء بطريقة سليمة عوضًا عن تراكمها أو التعبير عنها بطريقة غير مرغوبة. استعيدي ذكريات الطعام الذي يثير مشاعر الراحة، وقومي بتحضيره لتعلو الابتسامة على محيّاكِ؛ لتنثري صنوفها إلى مَن حولكِ.