كَيفَ تَصنَعينَ الفَشَلَ؟

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 362

قالت: أنا وزوجي كنّا مستاءينِ كثيرًا من حالة الكسل والضجر التي يعاني منها ابننا (عمران)، إنّه يدرس كثيرًا، وفي بعض الأحيان يشاهد التلفاز أو يجلس إلى الحاسوب، لا يملك إلّا صديقًا واحدًا تخاصم معه قبل مدّة، عندما كان صغيرًا كنّا نمنعه من كلّ نشاط، وإذا أراد القيام بشيء في البيت أو لقاء بعض الأصحاب فكنّا نأمره بالتفرّغ لدراسته. ذات يوم أصاب عطل منظومة الكهرباء في البيت، فطلبنا من الشركة إرسال أحدهم من أجل الكشف، وهنا كانت المفاجأة، فقد أرسلوا إلينا شابًّا صغيرًا لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، أردتُ الاتصال بالمكتب وتقديم شكوى، لكن زوجي أمرني بالتريّث لنرى ماذا يعمل. عندما انتهى رأينا أنّه قام بعمله على أكمل وجه وأدقّ صورة، والأغرب من ذلك عرفنا أنّه قد فَقَد أباه وهو في الرابعة من عمره، ودخل المدرسة في الثامنة، وبدأ بالدراسة إلى جانب العمل ليعيل أمّه وأخاه وأخته الصغيرينِ، مثلما أنّه يُصنّف من ضمن المتميّزين في كلّ عام. وعندما استفسرنا أكثر علمنا أنّه شابّ مؤمن يهتمّ بالتزاماته الدينية وتكاليفه الشرعية، مثلما أنّه يذهب إلى التنزّه أسبوعيًا مع رفاقه. عندما غادر اكتشفنا أنا وزوجي عظم الخطأ الذي ارتكبناه بحقّ ابننا. في بيتنا ساحر يؤكّد المتخصّصون على أنّ إعطاء فسحة للأبناء لتكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية، وإشراكهم في نشاطات الأسرة كالاستعداد للاحتفالات، أو إقامة المجالس، أو القيام بالأعمال المنزلية، تتيح لهم فرصة التلذّذ بالإنجازات حتى لو كانت متواضعة. لِمَ نجعل الأولاد يظنّون أنّ هناك طاقة سحرية في البيت؟ فكلّ شيء يعود إلى مكانه من تلقاء نفسه، الأغراض تعود إلى الدرج، والأواني المتّسخة تُغسل وتُرتّب في مكانها المخصّص لها، والملابس تُكوى وتستقرّ في مكانها في الخزانة مثلما كانت، على الرغم من أنّهم تركوا كلّ شيء رأسًا على عقب قبل الذهاب إلى المدرسة، فهذه الحالة تورّث أعضاء الأسرة عَوقًا اكتسابيًا قوامه أنّ الأولاد لا يمتلكون القدرة على أداء مهامّهم، ممّا يؤثّر مباشرة في أمور مهمّة، منها تنمية الثقة بالنفس التي تؤثّر في سَير العملية التربوية، وتترك أثرًا مباشرًا في سلوكيات الطفل، فمن الأمور التي تدمّر هذه الثقة وتنسفها، الخدمة المطلقة المقدّمة للطفل أو المراهق بذرائع واهية ومختلفة، فيحرمه هذا التصرّف متعة الإنجاز وتجربة تحدّي الفشل. يحتاج كلّ فرد في المجتمع الذي نعيش فيه سويًا ونتقاسم فيه المهامّ، أن يشعر بضرورة وجوده وأهمّيته، وكيف أنّه يشكّل حلقة مترابطة تنسجم مع النسيج الكامل، وحذف هذا العنصر ينذر بعواقب وخيمة يمكن تفاديها بقليل من الحكمة والصبر.