مَاذا بَعدَ لَيلَةِ النُّورِ؟
مع أول صباحاتٍ تلت تلك الليلة وذلك الفجر.. خرجتُ كتائهٍ بين أزقّة الطرق وبين عقارب الساعات.. أتفحّص وجه الشمس، نور النهار.. أين أنتِ يا سروري، يا حياة قلبي؟ أين سرتِ عنّي؟ كم نافذة فتحتِ أمام عينيّ يا نور عيني! أنّى لي بانتظار يصبّرني إلى حين موعد عودتكِ المباركة؟ بل أنّى لي بإحراز عمر يوفّقني للقائكِ! دبيب خطواتي كان لافتًا لكلّ كياني، أمّا مَن حولي من الناس، فالكلّ يواصل حياته.. وأنا.. لا أعلم إن كنتُ هناك عندها؟ أسترق النظر، أم أدور حول أسئلتي هنا؟ لربّما أحرزتُ الاثنين، بين أسئلتي، وبين ما علق به من عطرها.. أجول وأصول راكبًا أجود فرس لعلّه يوصلني إليها.. وإذا بي أرمق أطراف قلنسوتها النوراء وهي تتعدّى خطوط الزمان والمكان.. لدويلاتٍ لم تخرج بعدُ من وقتها.. إيهٍ، إنّه فرق توقيت! سأدور ما دارت.. وأقفو أثرها ما سارت.. إلى حين وداعها الأخير إيانا.. ومع فرحتي، سارت حسرتي؛ فكم كنتُ أرى منازل اعتلت أهلها تيجان النور.. وزها صدرها بالانشراح والسرور قبل أن تصلهم.. فكأنّهم كانوا يستقبلونها بقبسات من نورها الأبهى.. وكؤوس تبقّى في قعرها ما يحيي الأرواح، إذ به تُروى! (وإن خرجتَ عن الوقت ليلة القدر، فلا تخرجها من وقتكَ) أجل، خُطَّت هذه العبارة بقلم الإيمان على لوح القلب، فاحتضن أنوارها! ليلة بهذا القدر، والثقل، والاتّساع الملكوتي! ليس سهلًا أن تتبخّر أنهارها العذبة من الروح، إلّا إذا أُسعرت تحتها نيران حبّ الأنا، والتعلّق بالدنيا من جديد! ولربّما كان أغلبنا على مقدار معرفته ودرجة إيمانه منتبهًا قبلها وفي أثنائها، مُتشبّثًا بليلة التشريف، والتقديس، وتقسيم المقادير، والأقوات المعنوية والمادّية، من الفيوضات التي أدركها عقله وقلبه وتلك التي لم يدركها، وهذا جيّد وطيّب ومبارك، بل إنّه توفيق عظيم، لكن ما بعده كيف سيكون؟ الأيام، الشهور، بعدها كيف هي حالنا؟ نحن لا ننكر وجود الخصوصية، بل ندعمها بسؤال: هل ما تبثّه لنا وتُمطِرنا به غير قابل للاكتناز إلى قابلها؟ ولو بشيء منها يسدّ رمق الروح.. كي لا تصل إلى شفا حفرة الاحتضار بما لا يعدّ من المرّات! الأمر ليس مستحيلًا، وأيضًا ليس متاحًا للجميع.. بخاصّة لمَن جلس عند دكّة الأمنيّات! فلنشرع معًا في سبيل لعلّه يناسبنا، يتوافق ومخزون النور الذي لامس كلّ تجاويفنا.. وبالنيّة ذاتها والعزم على العود خطوة إلى الوراء، إلى ما قبل تلك الليلة، عند مشارفها ذات النسائم العذبة؛ استعدادنا، تأهّبنا، لهفتنا لها.. حرصنا الشديد على أن لا تضيع منّا لحظاتها المقرونة بتوفيقاتها.. طالبين فيها من الربّ الجليل تبارك وتعالى الأَولى فالأَولى من الدعوات المنجية في الدنيا والآخرة.. داعين، عاملين تحت راية الموعود ـ فدته الأرواح ـ حتى مطلع فجره الشريف...