رياض الزهراء العدد 192 تمكين المرأة
مَهرُ المَرأَةِ النَّاشِزِ بَينَ القَانُونِ والتَّشرِيعِ
يُعدّ استقرار الحياة الزوجية من الغايات التي تحرص على تحقيقها الشريعة الإسلامية، إذ إنّ الأصل في عقد الزواج أنّه عقد أبدي، ومن أجل هذا تُعدّ الصِلة بين الزوجين من أقدس الصِلات وأوثقها، والدليل على هذه القدسية أنّ الله سبحانه وصف العقد بين الزوجين بالميثاق الغليظ في قوله تعالى: (...وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا )(النساء:21)، وعليه فإنّه لا ينبغي الإخلال بهذه العلاقة ولا التهوين أو التقليل من شأنها، ولعلّ من أهمّ آثار عقد الزواج هي الحقوق والواجبات بين الزوجين، إلّا أنّه قد يحدث أحيانًا أن يقصّر أحد الزوجين في واجباته الزوجية أو يخلّ بها، فيتعدّى كلّ واحد منهما على حقوق الآخر، ممّا ينجم عن ذلك خلل في العلاقة، ويؤثر هذا في كيان الأسرة، فأحيانًا يكون هذا التقصير أو الخلل أو التعدّي نشوزًا، وسواء كان من جانب الزوج أو الزوجة، فلا يعني أنّ الأمور ستؤول إلى الطلاق، لذلك وضعت الشريعة الإسلامية حلولًا، أو بالأحرى تدابير على كلّ واحد منهما اتّخاذها لمسك زمام الأمور، وعودة المياه إلى مجاريها، منها قوله تعالى: (...وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء:34). إنّ معنى (الناشز) هو (عصيان الزوجة فيما يجب عليها من حقوق وواجبات تجاه الزوج وتمرّدها عليه، كترك المبيت معه في الفراش ومنعه من معاشرتها، أو بفعل المنفّرات له عنها، كشتمه والاستهزاء به وتحقيره ونحو ذلك، والخروج من بيت الزوجية بدون رضاه واستئذانه)(1). أمّا معنى (الناشز) في القانون، فقد استُعيض عن تعريفه بإيراد الحالات التي تسقط فيها نفقة الزوجة في الفقرة (أ) من المادّة (25) منه، وهذه الحالات هي: لا نفقة للزوجة في الأحوال الآتية: أ- إذا تركت بيت زوجها بلا إذن، وبغير وجه شرعي. ب- إذا حُبست عن جريمة أو دَين. ت- إذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي. إلّا أنّ القضاء العراقي ربط بين النشوز والبقاء في دار الزوجية، أي أنّ نشوز الزوجة يتحقّق بخروجها من بيت الزوجية الجامع للشرائط بدون وجه حقّ. وموضوع النشوز يكون في أثناء قيام الحياة الزوجية حقيقةً، ويترتّب على ذلك سقوط حقّ الزوجة في النفقة، لكن إذا حصلت الفرقة بسبب النشوز فإنّه يترتّب على ذلك عدّة إشكالات تتعلّق بحقّها المالي في مرحلة العدّة، وخالف القانون الشرع في هذه المسألة، فإنّ الحياة العملية مكتظّة بقضايا الناشز؛ لذلك لابدّ من معرفة المرأة حقوقها المالية شرعًا وقانونًا، إذ نصّت المادّة (25/ 5) من قانون الأحوال الشخصية على: يُعدّ النشوز سببًا من أسباب التفريق، وذلك على الوجه الآتي: أ- للزوجة طلب التفريق بعد مرور سنتين من تاريخ اكتساب حكم النشوز درجة البتات، وعلى المحكمة أن تقضي بالتفريق، وفي هذه الحالة يسقط المهر المؤجّل، فإذا كانت الزوجة قد قبضت جميع المهر، أُلزمت بردّ نصف ما قبضته. ب- للزوج طلب التفريق بعد اكتساب حكم النشوز درجة البتات، وعلى المحكمة أن تقضي بالتفريق، وتُلزم الزوجة بردّ ما قبضته من مهرها المعجّل، ويسقط مهرها المؤجّل إذا كان التفريق قبل الدخول، أمّا إذا كان التفريق بعد الدخول فيسقط المهر المؤجّل، وتُلزم الزوجة بردّ نصف ما قبضته إذا كانت قد قبضت جميع المهر. خالف القانون الشرع في مسألة عدم استحقاق المهر لوجود النشوز، مع أنّ الثابت شرعًا ثبوت المهر مع حصول الدخول مهما كانت الظروف والملابسات المتأخّرة، وسواء نشزت الزوجة أو لم تنشز، ثم يسقط نصف المهر مع عدم الدخول، فأشار القانون إلى: 1- سقوط نصف المهر مطلقًا قبل الدخول أو بعده، إذا كانت المطالبة بالتفريق آتية من الزوجة، والنشوز من الزوجة مثلما جاء في (أ – ب). 2- سقوط نصف المهر مع عدم الدخول، وجميعه معه مثلما جاء في (ب) إذا كان الزوج هو من طالب بالتفريق. وهذا غير جائز، إذ لا علاقة بين النشوز والمهر، فهما أجنبيان، فالنشوز يفضي إلى سقوط النفقة ليس إلّا، بينما يستقرّ تمام المهر مع الدخول، وينصفه الطلاق قبله، (وأمّا المهر فلا يسقط بالنشوز بلا إشكال)(2). وكذلك شُرّع سقوط المهر المؤجّل، ولم يكن ثمّة تفصيل، إذ ربّما كان المهر المؤجّل يساوي المهر المعجّل، أو يزيد أو ينقص عنه، وهذا أمر مألوف وسائد، فلا يكون المعجّل مساويًا للمؤجّل في جميع الحالات، وعليه فلا يعقل تساوي الحكم. ................................................................ (1) محسن آل عصفور، أحكام الأحوال الشخصية على ضوء الفقه الجعفري: ص 262. (2) المرجع الأعلى السيّد السيستاني (دام ظلّه)، منهاج الصالحين: ج3، ص 76.