رياض الزهراء العدد 90 همسات روحية
الزِّيَارَة_الزيارة في سيرة المعصومين (عليهم السلام) والصحابة والتابعين
أُوليت الزيارة اهتماماً كبيراً من قِبل المعصومين والصحابة والتابعين وتابعي التابعين وسيرة المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وقد تجلّى ذلك عند بعضهم في حضورهم عنده (صلى الله عليه وآله) في حياته وخاصة بعد هجرته حيث كانوا يحضرون عنده بشوق ولهفة، ليحضوا بفيضه النوراني وألطافه المباركة، وأيضاً بعد وفاته استمر ذلك. وبالنسبة إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فقد تجلّى ذلك في زيارتهم لمرقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وكذلك زيارتهم للمراقد المقدسة للائمة الذين سبقوهم، وحثّ المؤمنين على ذلك، وتعليمهم كيفية أداء مراسيم الزيارة وتبيين فلسفة الحضور فيها، وتوبيخ مَن لم يهتم بها أو تقاعس عنها أو تثاقل منها. وخيرُ مثال على ذلك وقوف فاطمة الزهراء عند قبر أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله) لزيارته، وزيارتها لقبر حمزة سيّد الشهداء، وكذلك زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) لضريح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحضور الأئمة (عليهم السلام) عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) طلباً للقرب من الله تعالى، وحث المسلمين على اتّباع ذلك، وما دلّت عليه سيرة المسلمين والصحابة والتابعين من توجههم الدائم لزيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) والصلاة في مسجده، وشدّ الرحال إليه، وبعدهم سار المسلمون على هذا النهج إلى يومنا هذا. وفيما يأتي نماذج من الآثار الدالة على اهتمام المسلمين بزيارة المرقد الطاهر للرسول (صلى الله عليه وآله) والصلاة في مسجده وشد الرحال إليه: عن عبد الله بن منيب، عن أبيه قال: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم انصرف.(1) وعن نافع أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر دخل المسجد، ثم أتى القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله...(2) ورُويَ أن بلالاً رأى في منامه النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: “ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟” فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه، وأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد...(3)، وكان ذلك كلّه في مرأى ومسمع من الصحابة والتابعين وفي زمن الخلفاء الثلاث ولم ينكر عليه أحد ويعترض ويقول إنها بدعة أو شرك. قال محمد بن علي الشوكاني: قد اختلفت فيها - أي الزيارة - أقوال أهل العلم، ذهب الجمهور إلى أنها مندوبة، وذهب المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة، وقالت الحنفية إنها قريبة من الواجبات، وذهب ابن تيمية الحنبلي إلى أن الزيارة غير مشروعة وتبعه على ذلك بعض الحنابلة، وهذا الأخير قد نهج منهج مروان بن الحكم الذي كان يسخر من زوّار قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) والتبرك به. روي عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج مروان بن الحكم. فقال: أتصلي إلى قبره؟! فقال: إني أحبّه. فقال له مروان قولاً قبيحاً، ثم أدبر. فانصرف أسامة فقال: يا مروان إنك آذيتني، وأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش وإنك فاحش متفحش.(5) ................................. (1) شعب الإيمان: ج3، ص491. (2) السنن الكبرى: ج5، ص245. (3) شفاء السقام: ص140. (4) نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار: ج5، ص94-97. (5) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: ج5، ص358.