لَم أَحزنْ على فَقْدِ حَفِيدي..بَل أَصابَني الجُنونُ!

فاطمة صالح الفتلاوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 246

هناك حالة من الذهول تداهمنا في لحظات اليأس من عودة شخص عزيز علينا بعد مفارقته الحياة على حين غفلة، فيتلوّن هذا الشعور بأشكال شتّى من دون أن يفقدنا الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والقدر الذي خُطّ لنا منذ لحظة ولادتنا. في حكايتنا اليوم كانت هناك امرأة مسنّة في عقدها السبعين تجلس بالقرب منّي في مرقد أحد أولياء الله الصالحين، بدا على وجهها الحزن الذي بات أقوى منها لتسرد لنا رحيل حفيدها الشاب في الحرب على داعش في مدينة الموصل، جاءها خبر وفاته مع عدد من رفاقه المقاتلين الذين لبّوا نداء المرجعية في الدفاع الكفائي، إذ وقعوا في كمين نصبته عصابات داعش الإرهابية، وأخذوهم إلى مكان مجهول لم يعرف ذووهم لغاية الآن ما المصير الذي لاقوه. كانت تحدّثنا عنه بيقين بأنّه لم يمت، بل سيعود يومًا إليها، وفي أثناء حديثها كشفت عن رأسها لتصيبنا بالدهشة لكونها لم تسرّح شعرها منذ سبع سنوات، أي حين وصول خبر استشهاده، فنذرت أن لا تسرّح شعرها حتى يعود ويمسك المشط بيده ويسرّح شعرها، كانت تعدّ تسريح الشعر ووضع الحنّة من غنج النساء، والمرأة المفجوعة بفقد عزيزها تترك مظاهر الغنج والفرح وتترقّب الأيام والأشهر والسنوات في عودة عزيزها المفقود، كانت تكلّمنا عليه وقد فارقته لسبع سنوات، لكن الأمل برجوعه ما يزال يلمع في عينيها طالبة من الله عودته لتحلّ عن رقبتها النذر الذي عقدته. حزن شديد تمثّل بصورة ذهول أفقدها لذّة الحياة، فهناك شخصيات عبر التاريخ من الأنبياء والصالحين قد عانوا من ألم فراق الأبناء، مثل الحزن الشديد الذي أصاب النبيّ يعقوب (عليه السلام) لفقده ولده يوسف (عليه السلام)، فكيف بهذه المرأة البسيطة التي بلغ حزنها مبلغًا عظيمًا، قالت في آخر كلماتها قبل أن تودّعنا: لن يغضب الله عليّ، فأنا أؤمن بقدره، لكنّ قلبي يرتجي رحمته إلى آخر لحظة من عمري بأن يعود حفيدي وأراه قبل أن أموت.