رياض الزهراء العدد 192 تاج الأصحاء
الصِّحَّةُ النَّفسِيَّةُ
إنّ الصحّة النفسية تعني الحالة السوية أو الرفاه النفسي للفرد، التي تعزّز قدرته على مواجهة ضغوط الحياة، والإحساس الإيجابي بالنشاط والسعادة والتوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة، فتمكّنه من التعلّم والعمل وبناء العلاقات الاجتماعية، لذلك تشكّل الصحّة النفسية جزءًا مهمًّا من مفهوم الصحّة عند منظّمة الصحّة العالمية التي عرّفته بأنّه اكتمال السلامة جسديًا وعقليًا واجتماعيًا، وهي حالة من العافية تمكّن الفرد من تعزيز قدراته للتكيّف مع مجتمعه والإسهام فيه، مثلما تمثّل الأساس الداعم لعافية الفرد والجماعة والمجتمع، وتمكين الجميع من تأدية مهامّهم ووظائفهم بشكل فعّال. وتعرّف لجنة خبراء الصحّة العالمية الصحّة النفسية بأنّها القدرة على تكوين علاقات ناجحة مع الآخرين، والمشاركة في تغيير البيئة الاجتماعية وبنائها، وإشباع حاجات الفرد الأساسية بصورة متوازنة، وبناء شخصية قادرة على تحقيق الذات بصورة سوية. وهناك تعريف للصحّة النفسية من وجهة نظر إسلامية، وهي حالة يشعر معها الفرد بالرضا والسعادة والراحة عندما يكون حَسن الأخلاق، ولديه إيمان وتقوى، وملتزمًا بالقيم، ويحترم ذاته والآخرين، مثلما جاء في قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ...) (الحشر:19). وقد شهدت الدراسات مؤخرًا تطوّرًا كبيرًا في مجال الصحّة النفسية عبر الاهتمام بكافة الجوانب المتعلّقة بها، من الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وتشير إلى أنّ الأخطار الأساسية التي تهدّد الصحّة النفسية للأفراد والمجتمعات هو ازدياد عدد الناس تحت خطّ الفقر، وفقدان الأمن والأمان، والتحوّل الاجتماعي السريع، ممّا يعرّض الفئات المحرومة في المجتمعات المحلّية للاضطرابات النفسية، إذًا فالبيئة التي تراعي الحقوق الاجتماعية والمَدَنية والاقتصادية والسياسية للفرد هي الأساس لتعزيز الصحّة النفسية، إلى جانب الأمن والأمان وتقدير الذات والمشاركة والعمل الفعّال، وجميع مظاهر الحياة الإنسانية التي تتكفّل بها تلك الحقوق، من هنا تأتي أهمّية الصحّة النفسية التي تسهم في الاستقرار الذاتي، وتخفّف من التوتّر والقلق، وتشعر الفرد بالهدوء والسكينة، مثلما تنشئ أفرادًا مستقرّين وأسوياء، وهذا ينشئ بدوره جيلًا واعيًا مثقّفًا قادرًا على التحكّم بمشاعره، وتوجيه سلوكه نحو الإيجابية وتحمّل المسؤولية والتصرّف بحكمة. تنعكس سلامة الصحّة النفسية على تطوّر الصناعة والتجارة وتقدّمهما، وتسهم في نموّ الاقتصاد عبر كفاءة الأفراد الأسوياء نفسيًا، وقدرتهم على تحمّل المسؤولية، وبذل الجهد، والعمل بإتقان وضمير؛ للوصول إلى أفضل النتائج. وللتمتّع بصحّة نفسية سوية ينبغي التعامل مع الضغوط بهدوء وحكمة، والتوكّل على الله، واحترام الذات والآخرين، والتفاؤل، والرضا، والإيمان بالله، وتعزيز الثقة بالنفس، وتخصيص وقت للتواصل مع العائلة والأصدقاء، وأيضًا الاهتمام بالغذاء السليم، والراحة عند اللزوم، ونختم مع الآية الكريمة: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس:7-10).