رياض الزهراء العدد 192 طفلك مرآتك
عَلِّمِي طِفلَكِ الامتِنانَ
من الأخلاق الحميدة والصفات الجميلة التي يجب أن نعلّمها لأبنائنا هي الامتنان، ويُقصد به التقدير والشكر لما يتلّقاه الفرد من نِعم في الحياة، سواء كانت نِعمًا مادّية أو غير مادّية، وتؤكّد الدراسات الحديثة على أنّ للامتنان تأثيرًا قويًا في الدماغ، لاسيّما في مرحلة الطفولة، إذ يجعل الأطفال أكثر تعاطفًا مع الآخرين، ممّا يعزّز التواصل الاجتماعي لديهم. ومن الأولويات في التربية تعليم الطفل الشكر والامتنان لكلّ شخص يقدّم له خدمة مهما كانت صغيرة، وأولها الشكر لله تعالى خالقنا وهادينا إلى الدين الحنيف، ومن ثم شكر الأبوين اللذينِ بذلا سنوات من حياتهما في خدمة أبنائهما. وممّا يُؤسف له رؤية بعض الحالات المؤلمة الخالية من تقدير الآباء، مثلًا نرى الأمّ وهي في عمر الخمسين ما تزال تقوم بأعمال البيت من تنظيف وترتيب، بينما بناتها الشابات يقضينَ ساعات طويلة في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، ونرى الأب ذا الستين عامًا يجلب احتياجات الأسرة من السوق بعد يوم طويل في استحصال لقمة العيش، بينما الابن الشاب الذي يمتلك القدرة العقلية والعضلية ما يزال يغطّ في نوم عميق حتى الظهر أو العصر، كلّ هذا يحصل بسبب عدم تعويد الأبناء منذ الطفولة على الامتنان للوالدين عبر إشراكهم في الأعمال اليومية البسيطة وغيرها، كلّ بحسب عمره، ومن هذه التدريبات التي نذكرها بإيجاز هي: 1_ شكر الطفل: يجب على الوالدين حثّ الطفل وتدريبه على الأشياء الجيدة كترتيب غرفته بنفسه، مساعدة إخوته، إكمال واجباته المدرسية في وقت مبكّر، ومن ثم شكره ومدحه على هذه الأعمال لكي يشعر بنجاحه، ومن ثم تنمية قابلية شكر الآخرين، ومثلما نعلم أنّ الأمّ هي المعلّم الأول لطفلها فهي قدوته، وهو يقلّد أعمالها تلقائيًا. 2_ التطوّع للمساعدة: عندما نجد شخصًا يحتاج إلى المساعدة المادّية أو المعنوية ونساعده لوجه الله تعالى، فهذا الفعل ينمّي شعور الامتنان عند الطفل، لاسيّما عندما يرى بعينه كيف يردّ علينا الطرف المقابل بالشكر لمساعدته، ومن الضروري تدريب الطفل على العطاء، فتبدأ الأمّ بإعطاء الأشياء التي لم تعد بحاجة إليها، ثم تسأل طفلها إن كان لديه شيء لا يحتاجه يمكن التبرّع به للأيتام أو الفقراء من دون أن ترغمه على التخلّي عن أشيائه أو ألعابه الخاصّة التي يحبّ أن يحتفظ بها؛ لأنّها تحمل ذكريات خاصّة. 3_ كتابة الأشياء الإيجابية: من الأمور التي تضعف مهارة الامتنان لدى الطفل عدم ملاحظة الأشياء الإيجابية في حياته التي ينبغي أن يشكر عليها، ويمكن مساعدته على تعلّم هذه المهارة، إذ تشير الدراسات إلى أنّ مجرّد كتابة ثلاثة أو خمسة أشياء إيجابية تحدث كلّ يوم له فوائد تظهر في غضون أسبوعين، ويمكن لهذا النشاط البسيط زيادة التفاؤل والتأثير الإيجابي والرضا عن الحياة اليومية للطفل، مثلما يجب أن تكون الأمّ صبورة، فعقل الطفل يحتاج إلى وقت لتنمية مهارة الامتنان لديه، حتى إذا اتّبعت وصايا المتخصّصين لتنمية هذه المهارة فلا يزال لديه الوقت الكافي لاكتساب المهارات الجيدة مع المراقبة الأبوية الحنونة الهادفة، لاسيّما عندما يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة، ففي هذه المرحلة يستطيع المراهق أن يتصوّر نفسه مكان الآخرين حتى يحسّ بمعاناتهم؛ ليشكرهم ويقدّر جهودهم.