اللهُ مَوجُود

بقلم: فاطمة عبد العزيز
عدد المشاهدات : 157

أزحتُ الستار يوماً فانكشف أمام عيني الاخضرار، فنظرتُ إليها لأجدها متنوعة الأصناف.. ثم أدرت نظري إلى السماء وقلت أيّ يدٍ هذه التي جعلت أبخرة الماء تتعانق لتنتج السحاب الثقال؟ بعدها أبحرت بعقلي الصغير إلى خارج الأرض حيث الفضاء الفسيح، وساءلتُ الكواكب عن الذي أدارها والشمس من أشعلها بالاندماج؟ أردتُ الاقتراب والتمعن فيهم لعلي أنشد ضالتي، سألتهم: مَن أبدعكم، وأحكمكم؟ يقولون إنكم خلقتم أنفسكم بأنفسكم, وأنكم أتيتم إلى العالم صدفة؟ أجابوني باستهجان: صدفة! حبيبتي عودي إلى الوراء وفكري بمنطق الطفل الصغير, وانظري إلى تلك الورقة قلت لهم: رسم رائع! مَن رسمها؟ فقالوا: رسمت نفسها بنفسها. قلت لهم: محال أن تكونوا صادقين فيما تقولون! فقالوا: حولي نظرك الآن إلى السماوات التي تشهد جلال خالقها وعظمته وأمعني النظر إلى ذلك الإحكام الذي يدلّ على بديع صنعته.. هل يمكن أن يوجد ذلك صدفة ؟ قلت: أريد لعقلي أن يستزيد وأن أرتقي في عالم الملكوت، كونوا أدلّاء لي على وجود خالقي، اجعلوني أسبر العجائب والروعة في هذا الكون. قالوا: عندما تريدين أن تعرفي أهميّة الشيء وقيمته تخيلي أنه غير موجود. قلت لهم: لم أفهم. قالوا: تخيلي أنّ موجد الأرض لم يوجِد بها جاذبية. قلت بابتهاج: لكان الأمر ممتعاً! فلن يكون هناك ازدحام, ولن ندفع للمواصلات, ولكان بمقدرتي الطيران.. قالوا: رويدك! الحمد لله أن هذه القوانين ليست بيد الإنسان. قلت: أنيروني قالوا: اسمعي هذه القصة، في إحدى رحلات الفضاء قرر أحد الروّاد الثلاثة أن يطهو الطعام في أثناء وجودهم في المركبة, وحاول رفع سدّادة دورق الماء جاهداً وسكبه في القدر إلا أنه لم ينسكب، فقال أحد الروّاد له بأنه في انعدام الجاذبية لن ينسكب الماء في الدورق، وأن عليك رجّ الدورق كما تصب الشراب الكثيف. فأخذ الرائد يضرب قاعدة الدورق المقلوب براحة يده عدة ضربات، ولكن يا للمفاجأة! لقد تكونت عند عنق الدورق في الحال كرة منتفخة من الماء بحجم قبضة اليد. صرخ الرائد مندهشاً: ماذا حدث للماء؟ فأجابه صديقه: إنها قطرة ماء عادية إلا أنها يمكن أن تكون كبيرة جداً في الأماكن التي تنعدم فيها الجاذبية إذ إن السوائل لا تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه ولا تتدفق على هيئة سيل إلا بتأثير الجاذبية فقط! فردّ الرائد بانفعال: الذي يهمني أن يغلي الماء لأطهو به الحساء، لكن قطرات الماء الكبيرة زحفت من أعلى القدر الداخليّة إلى الخارجيّة ولم تكن هناك إمكانية لغلي الماء بهذا الشكل. فنصح الرائد صديقه بدهن القدر من الخارج بطبقة من الشحم لكي يبقى الماء في داخل القدر. ففعل الرائد ذلك، ثم بدأ بغلي الماء على شعلة مصباح الغاز، لكن الغاز اشتعل بلهب ضئيل لمدة نصف دقيقة ثم انطفأ. حاول الرائد الاستغاثة بصديقيه عن كيفية إشعال الفتيلة. فقال أحدهما: إنّ شركات الغاز ستفلس تماماً لو انعدمت الجاذبيّة! فقال صديقه: ماذا تعني؟ فاستطرد، أنت تعلم أنه عند الاحتراق يتكون غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وهما من الغازات التي لا تحترق، وعادة لا تبقى هذه الغازات بقرب الشعلة؛ لأن تيار الهواء النقي يطردها إلى أعلى؛ لأنها أخف منه نتيجة لسخونتها، ولكن هنا لا توجد جاذبية؛ لذا فإنّ نواتج الاشتعال هذه تبقى في أماكن تكوّنها وتحيط الشعلة بطبقة من الغازات التي لا تحترق، وتمنع وصول الهواء النقي إليها ولهذا السبب فإنّ الفتيلة تشتعل بضآلة ثم تنطفئ بسرعة. قام الروّاد بعدها بإيجاد جاذبيّة اصطناعيّة، فأشعل الرائد الفتيلة، وقام الرائدان بنفخ الشعلة وترويحها على التوالي؛ لإيصال الهواء النقي إليها بصورة مستمرة.. و هكذا استمرت المحاولات لطهي الطعام بانعدام الجاذبية, مرّت ساعات ثم تمكن الروّاد بصعوبة من طهي الطعام، إذ لو وجدت الجاذبية لاستغرق الطهي عدة دقائق فقط. قلت: حقاً إنّ لكلّ شيء حكمة، وإنّ موجد الجاذبية لا يمكن أن يكون غير عالم أو طبيعةً صمّاء. قالوا: إنّ التفاعلات والدقة وهذا الكون الذي هو منظم أكبر تنظيم يدلّ على وجود قدرة إلهية، وهو الله سبحانه. وإنّ هذه الآثار التي تدلّ وتؤدي إلى الإيمان بالله ووجوده لا تعطي قيمة لقول أولئك الذين يقولون إن العالم وُجد صدفة، وإنّ الإنسان وُجد عبثاً، فكما تمتم جاليليوا قائلاً: (ومع ذلك فهي تدور) مشيراً إلى أنّ لا قيمة للقول بأن الأرض لا تدور حول الشمس؛ لأن الدلائل تشير إلى دورانها حول الشمس، فإننا نقول للمنكرين ومع إنكاركم، إنّ آثار عظمة الله تدلّل على أنه موجود.