رياض الزهراء العدد 193 شمس مغيّبة
انتظار المخلص
جعل الله تعالى الإنسان سيّدًا على الكائنات، وسنّ ضوابط عديدة تضمن له العيش الكريم، منها رفض الظلم، بل مقارعته من الأمور التي توجب العيش الكريم، لذلك كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) تجلّيًا واضحًا لوجوب التصدّي للظلم والظالم مهما علت سلطته ونفوذه، مع ديمومة الإصرار على المقاومة، لذلك خلدت نهضة الطفّ؛ لأنّ مبادئها حقيقية، فضلًا عن أهدافها، وهي مستمرّة حتى قيام القائم المنتظَر الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا، ولأنّ الغاية واحدة، وهي إصلاح الاعوجاج الذي يريده الظلمة والطواغيت على مرّ العصور. ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "...لَولاَ حُضورُ الحَاضِرِ، وَقِيَامُ الحُجَّةِ بِوُجُودِ الناصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ ألّا يُقَارُّوا على كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظلُوم، لألقَيتُ حَبلَهَا عَلَى غَارِبِهَا..."(1). إنّ قضية الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه) ليست حديثة العهد أو خاصّة بفئة معيّنة، بل هي قضية قديمة إنسانية عالمية بحتة، وانتظار المخلّص هو مفهوم عام عند كلّ الناس، وهو أفضل الأعمال، بيد أنّ الانتظار، هذه المفردة الجميلة تحمل في طيّاتها آثارًا أجمل، نرسم عن طريقها لوحةً آسرةً تكون منبعًا ثريًا بكلّ الصفات، كالصلاة التي هي عمود الدين، وتنتج بذلك مجموعة من الركائز مثل العبادات، والمستحبّات، والأخلاق الرفيعة، والسلوك الحَسن، فضلًا عن العقائد الحقّة. لا ريب في أنّ ما جاء به الدين الحنيف لا يكون لزمان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فحسب، بل هو دستور عالمي مستمرّ، وكذلك هو الحال مع قضية انتظار الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، فينبغي أن نكون جميعنا على قدر من المسؤولية تجاه ديننا ومجتمعنا عبر التصرّفات اللائقة، والمعاملات الحكيمة التي تنمّ وتحكي اتّباعنا سيرة النبيّ وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، فقد جاء عن سليمان بن مهران أنّه قال: دخلتُ على الصادق (عليه السلام) وعنده نفر من الشيعة، فسمعته وهو يقول: "معاشر الشيعة: كونوا لنا زينًا ولا تكونوا علينا شينًا، قولوا للناس حُسنًا، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول"(2). ......................................... (1) نهج البلاغة: ج1، ص 46. (2) الأمالي للشيخ الصدوق: ص ٢٤٠.