رد الشمس كرامة لا منقصة
رُوي حديث ردّ الشمس بطرق ونصوص متعدّدة، كلّها تدلّ على أنّها كرامة من الله تعالى للإمام عليّ (عليه السلام)، وإلفات لأنظار البشر إلى عظيم قدره وجليل منزلته عنده تعالى، بيد أنّ مَن أغشى الحقد بصيرته يعمى عن الحقائق الواضحة، منهم ابن تيمية؛ إذ أنكر هذه الكرامة الواضحة بقوله في إحدى ادّعاءاته: (إنّ عليًّا أجلّ من أن يترك الصلاة إلى ما بعد مغيب الشمس)(١)، كأنّه يقول: إن أصررتم على هذا الحديث فهو منقصة للإمام (عليه السلام) لا كرامة!! للردّ عليه نقول: أولًا: إنّ حديث ردّ الشمس من الأحاديث الثابتة بشهادة كثيرين، منهم ابن حجر والزرقاني والقرطبي مثلما سيأتي. ثانيًا: إنّ الإمام عليًّا (عليه السلام) كان في طاعةِ الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، وقد ذكر ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مثلما سيأتي. ثالثًا: ذكرت بعض الروايات أنّه (عليه السلام) قد صلّى صلاة المضطرّ إيماءً، ثم ردّ الله عليه الشمس ليستوفي أفعال الصلاة، فقد رُويَ عن أسماء بنت عميس، وأمّ سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري: (أنّ النبيّ كان ذات يوم في منزله وعليّ بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله سبحانه، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين، فلم يرفع رأسه عنه حتى غربت الشمس، فاصطبر أمير المؤمنين لذلك إلى صلاة العصر، فصلّى أمير المؤمنين جالسًا يومئ بركوعه وسجوده إيماءً، فلمّا أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين: أفاتتكَ صلاة العصر؟ قال: لم أستطع أن أصلّيها قائمًا لمكانكَ يا رسول الله والحال التي كنتَ عليها في استماع الوحي، فقال له: ادعُ الله حتى يردّ عليكَ الشمس لتصلّيها قائمًا في وقتها كما فاتتكَ، فإنّ الله تعالى يجيبكَ لطاعتكَ لله ورسوله، فسأل أمير المؤمنين الله في ردّ الشمس، فرُدّت حتى صارت في موضعها من السماء وقت صلاة العصر، فصلّى أمير المؤمنين صلاة العصر في وقتها ثم غربت...)(2) رابعًا: ذكرت بعض الروايات أنّ الشمس كادت أن تغيب، لكنّ الله سبحانه ردّها؛ فإن كان قد ردّها إلى حيث وقت فضيلة العصر، فذلك دليل عظيم حبّه تعالى إيّاه، وإن كان تعالى قد اقتصر على حبسها من أجله، فتلك كرامة أيضًا بلا ريب، ووفقًا للاحتمالين فإنّ الصلاة لم تفته (عليه السلام). خامسًا: إنّ ردّ الشمس وإن كان بعد غروبها، فإنّ ثبوت الحديث سندًا يدلّنا على كونه (عليه السلام) قد صلّاها أداءً؛ لرجوع الوقت بردّ الشمس، وهذا ما قاله جملة منهم، كابن حجر، إذ قال: (لو غربت الشمس ثم عادت، عاد الوقت أيضًا، لهذا الحديث)(3)، والزرقاني في قوله: (ودلّ ثبوت الحديث على أنّ الصلاة وقعت أداءً، وبذلك صرّح القرطبي في التذكرة، قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعًا، وإنّه يتجدّد الوقت، لما ردّها عليه، ووجهه: أنّ الشمس لمّا عادت كأنّها لم تغب)، وفي الإسعاد: (لو غربت الشمس ثم عادت عاد الوقت أيضًا؛ لهذا الحديث)(4). سادسًا: احتمل بعضهم عدم قصد الرواة المعنى الدقيق للغروب، إذ قال القاري: (أن يكون المراد بقول أسماء (غربت) أي عن نظرها، أو كادت تغرب بجميع جرمها، أو كادت تغرب باعتبار بعض أجزائها)(5). .......................................... (1) منهاج السنّة: ج٤، ص١٨٦ـ ١٩٥. (2) بحار الأنوار: ج41، ص171. (3) نسيم الرياض: ج٣، ص١١ـ 12. (4) شرح المواهب اللدنية للزرقاني: ج٦، ص٤٧٨. (5) راجع: شرح الشفاء للقاري بهامش نسيم الرياض: ج٣، ص١١.