ريشة

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 198

كم هي جميلة، ناعمة الملمس كالحرير، تزهو بأمواج من الألوان التي تسرّ الناظرين، ولا ننسى خفّة ظلّها ورقّتها التي ترسم الابتسامة على محيّا كلّ مَن تلامس وجنتيه، أجل إنّها الريشة، نَصِفها بالحَسن من الصفات والكلمات، وفي الوقت ذاته نجد أنّ مَن ننعته بالريشة كأن نقول له: لا تكن كالريشة في مهبّ الريح، وليكن لكَ رأيكَ السديد، وقِيَمكَ الواضحة وثوابتكَ الرصينة، نراه يرمقنا بنظرة تنمّ عن ضيق شديد، كأنّنا وصفناه بالمشين من القول. في دوائر حياتنا الواسعة والمزدحمة بالوجوه والأصوات نلتقي بشخصيات متعدّدة، كلّ منها تترك الأثر في نفوسنا، وتنعكس على تصرّفاتنا مع الآخرين، فنجد ذا التفكير القطبي، وهو الذي لا يرى الأمور إلّا بأحد اللونين: إمّا أبيض أو أسود، إمّا الحبّ أو الكره، إمّا القُرب أو البُعد، ولا يعرف للوسطية سبيلًا، ولا يقيم للمرونة بين الأشياء وزنًا، فهو يكوّن ويرسم القيم والمبادئ الخاصّة به، لكن بشدّة وحدّية، ويرى أيّ نجاح دون أعلى المستويات فشلًا، فنجد أغلب الناس يتفرّقون عنه، ويتجنّبون الحديث معه لصعوبة إقناعه بوجهة نظر أخرى، بل لاستحالة ذلك، فتكون إمّا صديقًا موافقًا له أو عدوًّا معارضًا. وفي الطرف الآخر نجد مَن يُنعت بـ(ريشة في مهبّ الريح) أينما مال به الزمان يميل، فأضعف نسمة هواء تتمكّن من تغيير مساره إلى حيث لا يعلم وربّما لا يريد، لا قرار له ولا استقرار، فبيئته الداخلية متزعزعة ولا ثبات لها، دائم الخوف من المجهول، ويستولي عليه القلق المذموم الذي يقيّد حركته ويشوّش تفكيره، باقٍ في بوتقة لوم النفس على قراراته غير السديدة، مثلما أنّ المقرّبين منه يعانون من تذبذب علاقاته وانفعالاته، فيظلّ غير راضٍ عن نفسه في ظلّ جوّ من الانزعاج والأذى النفسي. وبين هذا وذاك نلمح مَن يمسك العصا من الوسط فيتصرّف بتوازن ملحوظ، فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه من التفكير والتمحيص واتّخاذ القرار الصحيح بحسب كلّ موقفه، فيرى بهجة الألوان وجمالها، فيشعر بالحبّ والاطمئنان والراحة والأمان، ويستثمر كلّ هفواته وإخفاقاته ليتدرّب على خطوات النجاح، وعدم تكرار الأخطاء؛ لأنّها الدليل إلى المسار الصحيح، فتلك هي الحياة، تجمع كلّ الألوان والأفكار والتوقّعات، ولكي نحيا بسعادة وهدوء مريح، يجب أن نستشعر كلّ تفاصيلها الجميلة وغيرها، فبعد التعب نشعر بالراحة، وبعد القلق المحمود نشعر بسعادة النجاح، فتمتّعي بجمال الريشة ونعومتها واختاري لها المكان المناسب في إحدى زوايا الحياة السعيدة.