رياض الزهراء العدد 78 نبي الرحمة
وِلادَةُ النّور
رُوي عن السيدة آمنة (رضي الله عنها) أنها قالت: لما حملتُ برسول الله (صلى الله عليه وآله) لم أشعر بالحمل، ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كأن آتياً أتاني وقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خفّ ذلك عليّ حتى وضعته (صلى الله عليه وآله)، وهو يتقي الأرض بيديه، وسمعت قائلاً يقول: "وضعتِ خير البشر، فعوّذيه بالواحد الصمد، من شرّ كلّ باغ وحاسد"، فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه، ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض، ورُميت الشياطين بالنجوم، وحُجبوا عن السماء، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء" ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة، واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخاً كبيراً مجرباً، فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي يُهتدى بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر قد حدث، وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم قد مُنعوا من السماء، ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا، فإن أمراً قد حدث، فجالوا في الدنيا ورجعوا فقالوا: لم نرَ شيئاً، فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فانتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرائيل فقال: اخسأ يا ملعون، فجاء من قبل حِراء فصار مثل الصر قال: يا جبرائيل ما هذا؟ قال: هذا نبي قد وُلد وهو خير الأنبياء، قال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم، قال: قد رضيت.(1) علامات الولادة المباركة أصبحت الأصنام كلّها صبيحة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) ليس منها صنم إلّا وهو منكب على وجهه، وارتجّ في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى المؤبدان(3) في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً، والملك مخرس لا يتكلم يومه ذلك، وانتُزع علم الكهنة وبَطُل سحر السحرة.(3) ............................... (1) حلية الأبرار، ج1، ص32. (2) هو فقيه الفرس وحاكم المجوس. (3) مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، ج26، ص360.