رياض الزهراء العدد 90 كيف تكونين مثلها؟
المَرأَةُ ودَورُهَا فِي مُوَاجَهَةِ الظُّلم
مَن منّا ينسى تلك الحقبة المظلمة التي مرّ بها الشعب العراقي المظلوم؟ وخاصة المرأة العراقية التي كانت وما تزال تؤدي دور الأم والأب في آن واحد متأسيّة ببطلة كربلاء زينب الحوراء. وكأنّما كُتب عليها أن لا تكون إلّا يتيمة أو أرملة أو ثكلى، وتفاقمت هذه المأساة إبّان الانتفاضة الشعبانيّة المباركة حينما هبّ المؤمنون مقتدين بإمامهم أبي الأحرار وسيّد الثوار الإمام الحسين (عليه السلام) يقرعون أعتى الطغاة وأشقاهم حتى امتلأ جوف الأرض بأجسادهم الطاهرة في مقابر جماعيّة لم يعرف التاريخ مثلها، ومنهم مَن ضاقت بهم السجون، فتحمّلوا أنواع التعذيب الوحشي حتى نحصل نحن على حريتنا، وتحت هذه الظروف القاسية كانت المرأة تعاني الأمرّين. ولتفاصيل أكثر كان لنا لقاء مع العلوية (أم وسام) التي أُعتقل زوجها لمشاركته الفعّالة في الانتفاضة المباركة قالت: بعد أن تمّ اعتقال زوجي, زُج في سجن الرضوانيّة مخلّفاً وراءه (5) أطفال كنت أنا لهم الأم والأب، فقد كانوا في أعمار يحتاجون بها إلى حنان الأب ورعايته، والحمد لله وُفّقت لذلك. كيف تمّ اعتقاله؟ على الرغم من مداهماتهم الكثيرة والمتكرّرة والمباغتة لم يستطيعوا إلقاء القبض عليه بعد الانتفاضة مباشرة، فقد استطاع أن يكون متخفيّاً عن أعينهم لمدة سنتين، ولم يُفلحوا في القبض عليه حتى قام هو بتسليم نفسه بعد تهديدهم والده (رحمه الله) بالاعتقال، ومن ألطاف أهل البيت (صلى الله عليه وآله) علينا في إحدى مداهماتهم للمنزل كان (أبو وسام) يداعب أحد أطفاله، فقام بالاختباء فوراً، ففتشوا المنزل بأكمله ما عدا الغرفة التي كان فيها، فقد اكتفوا بسؤالي هل يوجد أحد بالغرفة؟ فقلت لهم: لا، فذهبوا من دون أن يقتربوا من باب الغرفة. كم كانت المدّة التي قضاها في السجن؟ بقي ستة أشهر إذ أطلقوا سراحه بعد أن قام أهله بدفع مبلغ من المال مقابل سحب الملف الذي يخصّه. ما هو أكثر شيء عانيت منه بعد اعتقال زوجك؟ سؤال الأولاد عن أبيهم وهم يبكون في أكثر الأحيان كان شيئاً مؤلماً جداً على قلبي، ولكنني كنت أستمد القوّة والعزم من مولاتي السيّدة زينب الكبرى، وكذلك الوضع المادّي إذ كنت لا أستطيع أن ألبّي جميع احتياجاتهم على الرغم من وقوف والدي (رحمه الله) ودعمه لي مادياً، ولكن لم يكن كما لو كان والدهم هو الذي يتولى هذه المسؤوليّة، زيادةً على الحالة النفسيّة المزريّة التي كنّا نعيشها ونحن نُحارَب سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وبفضل الله تعالى تخطّينا هذه المشكلة. كلمة أخيرة إنّ ما كان يهوّن علينا أنه بعين الله (عزّ وجل) وعلى نهج الأئمة (عليهم السلام) ولابدّ للمرأة من أن يكون لها دورٌ مميزٌ في مثل هذه الظروف العصيبة، وأن تقوم بواجبها بمساندة الرجل وإعانته على طاعة الله (عزّ وجل) ومحاربة أعداء الدين سواء أكانت أمّاً أم أختاً أم زوجة كلاّ من موقعها وبحسب استطاعتها، وأهم شيئين هما التسلّح بالصبر والتوكل على الله تعالى، فبهما تُذلّل الصعاب وتُدفع المكاره وتُحقّق الرغائب. كان هذا حال الكثير من العراقيّات اللواتي عانين الكثير من ظلم النظام البائد, وحربه الضروس مع الشعب، إذ كنّ يعشن تحت ظل الخوف والفقر والظلم, ومع ذلك قمن بتربية أبنائهنّ, وأداء دورهنّ الرسالي على أكمل وجه.