زَائر خفيفُ الظل
بنفوس تملؤها الحسرة والحزن يودّع المؤمنون ذلك الزائر المحبوب خفيف الظلّ الذي أضفى على حياتهم جوًّا من السعادة والمرح والبركة ولمّ الشمل مع الأحبّة والأصحاب، وحمل إليهم الكثير من الهدايا المعنوية والمادّية، متمنّين عودته سريعًا، راجين من الله تعالى أن يعيده عليهم، ويوفّقهم للأنس به، إنّه شهر رمضان، شهر الطاعات والصوم عن الخبائث والمنكرات، رحل عنهم وقد ترك خلفه فراغًا كبيرًا، وألمًا واشتياقًا ليحلّ محلّه شهر جديد، يبدأ بعيد جميل، هديةً من الله تعالى تعويضًا عن فَقْد شهر رمضان، أذن الله فيه للناس بقطع صيامهم، والتمتّع بالطيّبات ممّا أُحلّ لهم من غير إسراف أو إتلاف للنِعم، ومع المحافظة على ما اكتسبوه في شهر رمضان من روحانية وأجر، والابتعاد عن الموبقات بأنواعها. لكنّ بعضهم ما إن ينتهي الشهر الفضيل، وتبدأ ليلة العيد حتى يعودوا إلى اقتراف الذنوب التي امتنعوا عنها مؤقّتا في شهر رمضان، بل يقبلون عليها بدافعية أكبر من ذي قبل؛ لكونهم قد حُرموا منها لبرهة، فتراهم قد اكتسبوا في غضون أيام قلائل من الآثام ما من شأنه أن يذهب بأجر صيامهم طوال الشهر الفضيل، كالاحتفالات المشتملة على الغناء، واللهو، والاختلاط المحرّم، التي تضيّع الوقت والعمر والدين، سواء لمَن يحضرها فعليًا، أو مَن يتابعها عبر شاشة التلفاز، أو شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وأمّا سادة البشرية أئمتنا وقدوتنا (عليهم السلام)، فكانوا يحيون ليلة العيد ونهاره بالعبادة والذكر ويأمروننا بذلك، فعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "كان عليّ (عليه السلام) لا ينام ثلاث ليالٍ: ليل ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان، وفيها تُقسم الأرزاق والآجال وما يكون في السنة"(1)، فما أجمل الشعور بالخشوع والرهبة عند وقوف العائلة معًا ليصلّوا صلاة العيد، ويلبسوا ثيابهم الجديدة استعدادًا لزيارة الأهل والأرحام، وأخذ أطباق الحلويات المخصّصة للعيد والطواف بها على الجيران لإطعامهم منها، وما أجمل بهجة الأطفال باللعب في الحدائق والمنتزهات المليئة بهم. ........................................... (1) وسائل الشيعة: ج ٨، ص110.