قَمر في ظلمة الزمنِ
وتمرّ السنون والتاريخ يشعل الحوادث المدماة هنا وهناك، لقد صمّم المنصور العبّاسي على اغتيال قمر منير في ظلمة الزمن الذي طغى في عصره. قمر يشعّ نورًا حيثما كان، يتهافت إليه الناس ليلتمسوا منه بحر النور لدربهم المظلم، فأرسى قواعد مدرسة خرج من تحت قبّتها أفواج يحملون من علمه الغزير، وزهده في الدنيا، ومن سيرته الهادية، فوقفت مدرسته في وجه التطرّف والظلم على مدى القرون الطويلة. لم يرقْ للطغاة نوره الساطع الذي توسّع في الآفاق وأخذ ينتشر، فدسّوا إليه سمًّا فتّاكًا. كانت السماء تسحّ مطرًا خفيفًا، كأنّ الغيوم تبكي بصمت، ولمّا تناول الإمام (عليه السلام) العنب المسموم تقطّعت أمعاؤه، وأخذ يعاني الآلام القاسية، فالنهاية الأخيرة من حياته قد دنت. انطفأ نور القمر، وانطفأت عينان كانتا تضيئان العالم. الدنيا غارقة في الظلام.. ففي اليوم الخامس والعشرين من شهر شوّال عام (148) للهجرة فُجع أهل بيت النبوّة (صلوات الله عليهم) ومحبّوهم وشيعتهم برحيل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) سادس الأئمّة الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام). اهتزّت لهول المصيبة جميع أرجاء المعمورة، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميّين وغيرهم، وهُرِع الناس نحو دار الإمام وهم ما بين واجمٍ ونائحٍ على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذًا ومفزعًا للعالَمين.