رياض الزهراء العدد 90 كيف تكونين مثلها؟
السَّلَامُ عَلَى الحِجْرِ المُطَهَّرِ الذِي احتَضَنَ الإمَامَ مُوسَى بنَ جَعفَرٍ
سيّدة جليلة مصونة، شرفت بولوج البيت العلوي، وأُيدت بورود ساحة القدس الملكوتي، وحبيت باقترانها بولي الله وخليفته على خلقه، واجتبيت بحمل راهب أهل البيت النبوي (عليه السلام)، محمودة الأوصاف، مصفاة من الأدناس كسبائك الذهب ونضائد الماس، إنها السيّدة حميدة المصفاة زوج الإمام الصادق وأمّ الإمام الكاظم. تُنسب هذه السيّدة إلى أهل البربر، وقيل إنها أندلسية، وكانت من المتقيات والفقيهات، ومن الرواة الثّقات، وقد خلع عليها إمامان معصومان خلع المجد والكرامة، وأوسماها وسام العزة والسعادة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله لها: “أنت حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة”.(1) ويضيف الإمام الصادق (عليه السلام) وساماً آخر لها بقوله: “حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتى أدت إلي كرامة من الله لي والحجة من بعدي”.(2) واليوم إذ نتشرف بذكر هذه السيّدة الطاهرة كي نضرب مثلاً رائعاً وأنموذجاً مشرفاً لجميع النساء المؤمنات على وجه المعمورة، مستلهمين من سيرة هذه السيّدة الدروس والعبر والإيمان الخالص لله (عزّ وجل) والطاعة والتسليم لإمام زمانها (عليه السلام)، وأول الدروس التي نتعلمها من سيرتها العطرة هي عفتها وطهارتها، فقد ذُكر في سيرتها أنها كانت من السَّبي ولم تكن امرأة حرة إلا أنها حافظت على سترها وعفافها، ولم تسمح لأحد أن يلوث ساحتها ويدنس حضرتها على الرغم من أننا نعلم أن المرأة المسبية من الصعب عليها أن تحافظ على ذلك؛ لأنها أسيرة وغير مالكة لأمرها، إلّا أن السيّدة الطاهرة استطاعت ذلك وتغلّبت على كلّ الصعاب التي كانت تواجهها ويرجع سبب ذلك أيضاً إلى يد الغيب الإلهي التي كانت تسددها وترعاها وتحفظها، وذلك تفسير قوله (عليه السلام): “مازالت الأملاك تحرسها..”، فالحجر الطاهر الذي احتوى ثقل الإمامة وسلالة النبوة ليس بعزيز على الله تعالى أن يصونه ويمنع من أن يوصل إليه بسوء. كذلك نستفد من سيرة هذه السيّدة شدة إيمانها وتقواها إلى الحد الذي أُهلت فيه وانتخبت للاقتران بولي الله الأعظم (عليه السلام) وحبيت بحمل ولي الله المعظم (عليه السلام)، وهذا الشرف وتلك العزة والكرامة لم تتسن لكثير من النساء في عصرها، إذ إن الله اختار لأوليائه وخلفائه ومظاهر أسمائه الجمالية والجلالية الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة واعتنى (عزّ وجل) أيما اعتناء بجميع المقدمات والشروط الدخيلة بكمال المعصوم، يقول تعالى لنبيّه موسى (عليه السلام): (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)/ (طه:39). وفي آية أخرى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)/ (طه:41). والأمر يشمل الإمام المعصوم أيضاً، فكيف يكون المصنوع بعين الله (عزّ وجل) ولأجله؟ فمن الضروري أن تتوفر فيه كلّ أسباب الطهارة والقداسة والنزاهة ومقوماتها ومن أهم تلك الأسباب هو الرحم الطاهر الذي يترعرع فيه الطفل وينمو؛ لما له من تأثير في خلق الجنين وخلقته خصوصاً في نقل العوامل الوراثية التي ترافق ذلك التكوين، وفي حديث الإمام المعصوم دلالة واضحة على طهارة السيدة وقدسيتها وسمو منزلتها، فوصفها بأنها الحميدة والمحمودة بمعنى أنها المُثنى عليها والمشهود بفضلها في الدنيا والآخرة، ووصفها بأنها مصفاة كسبيكة الذهب الخالص، فالذهب كما نعلم عندما يكون مخلوطاً فإن قيمته السوقية تنخفض بانخفاض نسبة الذهب فيه، أمّا إذا كان خالصاً وغير مخلوطٍ فإن قيمته تكون عالية وتقدر بأضعافها، وقيمة السيّدة حميدة لا يعلمها إلا الله (عزّ وجل) والراسخون في العلم. أيضاً في ضمن الدروس المستقاة من سيرة السيدة هو علمها وفقاهتها وتعليمها للآخرين، كما هو المستفاد من بعض الروايات، فيا حبذا لو نقتدي بنسائنا العظيمات، ونتأسى بسيرتهن كي نحشر إن شاء الله تعالى برفقتهنّ ونحظى بشفاعتهنّ يوم القيامة. .................................. (1) الكافي: ج1، ص476. ر(2) الكافي: ج1، ص477.