اِبنتي والكلام
بنيّتي الحبيبة: يا سحابة المطرْ يا ضياء البيتِ يا شبيهة القمرْ اعلمي يا نور عيني أنّ الكلمة مسؤولية، يمكن أن تكون سببًا للهلاك، أو سبيلًا للعروج والقرب من ساحة اللطف الإلهي، يمكن أن تطلقيها فتنتشل الغارقين في سراديب الأحزان والأوهام، ويمكنها أن تعرقل الساعين في الخيرات؛ لتلقي بهم في غياهب الوجع والآلام، فاحرصي يا بهجة عمري على أن تكون كلماتكِ مباركة طيّبة، تتلقّاها النفوس المتعبة، فتتجاوز بها التحدّيات الصعبة، تحيي كسير النفس، تطبّب أدواء القلوب، تنير ظلمات الطريق، وتستحثّ السامع على الوثوب واستئناف رحلته من جديد بأمل وشوق شديد، تعالج التصدّع المخبوء عن العيون، وتعيد التوازن إلى مَن خذلته الحياة، وقسا عليه الدهر، وآلمته السنون. بنيّتي الحبيبة: اختاري كلماتكِ بدقّة عالية، غلّفيها بالورد أيّتها الغالية، تذوّقي حروفكِ من قبل إطلاقها، وتأمّلي حالكِ لو كنتِ أنتِ مَن يسمعها. كوني مباركة بكلماتكِ، هادية بجميل منطقكِ، منصفة في اختيار مفرداتكِ، رقيقة في ردود أفعالكِ، لاسيّما مع أفراد أسرتكِ، فبالكلام تبيضّ وجوه، وتسودّ أخرى، وأكثر خطايا الإنسان في عدم تهذيب اللسان. فالكلمة الطيّبة يا بنتي بمنزلة زهرة جميلة تُقطف من حديقة قلب عامر بالإيمان، حروفها مضيئة، تنبثق من صدر تلألأ بالنور المتأتّي من حبّ الله تعالى واهب الإنسان الفكر والنطق والبيان. والكلمة عنوان المتكلّم، وسفيره إلى الناس، وعونه في التأثير والإصلاح، هي جماله الظاهر وعطره الفوّاح، هي مفتاحه إلى القلوب والأرواح، تكشف عند نطقها عن مكنون صاحبها، ورجاحة عقله، وصفاء قلبه، وهي فوق كلّ ذلك مسؤولية كبيرة يتحمّل تبعاتها في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق: 18). ومن هنا فأنّي أوصيكِ بتأمّل كلماتكِ قبل نطقها، واختيار الأفضل منها، واتّباع الأسلوب الأمثل في إطلاقها، ودراسة تأثيرها في مَن يتلقّونها، وعدم التسرّع في تلفّظها، والابتعاد عن فضولها وعمّا لا يعنيكِ منها، وتشديد الرقابة على اللسان وقايةً من الآفات، وتجنّبًا من الوقوع في المحاذير والمنزلقات، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لرجل يتكلّم بفضول الكلام: "يا هذا، إنّكَ تملي على حافظيكَ كتابًا إلى ربّكَ، فتكلّم بما يعنيكَ، ودعْ ما لا يعنيكَ"(1)، فيا لها من موعظة بليغة، ترسم للمتأمّل فيها الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون ممّن يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا! وختامًا، أوصيكِ بأن تجعلي كلماتكِ وقفًا على نصرة دينكِ، والتمهيد لظهور إمام زمانكِ (عجّل الله فرجه)، وهنيئًا لكِ إن التزمتِ بذلك رضاه عنكِ يا ثمرة عمر أمّكِ. .................................. (1)وسائل الشيعة: ج١٢، ص١٩٧.