رياض الزهراء العدد 193 فقه العجائز
معادلَة معكوسة
كنتُ أسير على مهل وأنا أتأبّط كتبي مطأطئ الرأس؛ لثقل العلم الذي تزوّدتُ به من تردّدي على إحدى الدورات الصيفية الفقهية، كنتُ أتخيّل كيف ستعلو هامتي تلك العمامة البيضاء، ويتهافت الناس حولي كي يستفتوا عن دينهم، فتقدّمت جحافل الأفكار تهجم على مخيّلتي الصغيرة وتصوّر لي بأنّي أرتقي منبرًا وألوّح بيدي، وأعدّل ميل عمامتي، إذ قطعت تلك الغمرة قدماي وهي تلج الدار. كانت جدّتي بارعةً في طهو الطعام، فانسابت إلى أنفي رائحة اللحم، رميتُ بكتبي على الطاولة وهرعتُ انصاع لنداء معدتي، فقادتني قدماي إلى المطبخ. كانت جدّتي تتذمّر من شقيقتي الكبرى، وبيدها القدر وهي في طريقها لتسكبه في حوض غسيل الأواني! أوقفتُها لأستعلم الخبر منها، فأجابت وهي في أوج غضبها بأنّ شقيقتي الكبرى لم تغسل اللحم جيدًا، فهذه الدماء تغلي مع اللحم، والحلّ الأمثل هو سكبه وتبديل مائه! قلتُ بذهول: وماذا عن طعم المرق! قالت: لقد تنجّس ماؤه! حاولتُ إقناعها بأنّ ما يتخلّف من الدم بعد التذكية طاهر لكن بدون جدوى، كان الماء قد جرى في أعماق الحوض. أنهت جدّتي إعداد الطعام، وراحت تخيط عباءتها وترقّعها، تلك العباءة التي تحكي حكايات عشرات السنين، فوخزت الإبرة إصبعها وراح الدم يجري، وضعت جدّتي إصبعها في فمها لتخفيف الألم وهي تبتلع الدم! لطمتُ جبيني أسفًا على تلك المعادلة المعكوسة!