رياض الزهراء العدد 193 بريد الرياض
مهارة الاحتواء
يُعرّف الاحتواء في علم النفس التحليلي بأنّه الطريقة التي يستوعب فيها الشخص الطرف الآخر، ويهتمّ به بشكل يغطّي جميع جوانب حياته. لكن مفهوم الاحتواء عند الأشخاص يختلف، ولعلّ أقربها هو التفاهم والانسجام، والاحتواء بحدّ ذاته لا يقتصر على علاقة بعينها، بل يشمل كلّ العلاقات الإنسانية، حتى إنّه يدخل في الجانب السياسي. فهو عملية مستمرّة في حياة الإنسان، لكن تظهر بشكل خاصّ عند حاجة الإنسان لها في ضائقة يمرّ بها؛ لأنّه عندما يقع في أيّ مشكلة يحتاج إلى أناس يكونون قريبين منه ليقدّموا له الاحتواء المادّي أو المعنوي. ويختلف الاحتواء من شخص إلى آخر بحسب دوره الاجتماعي في حياة الطرف الآخر، مثلما يختلف نوع احتوائنا للأشخاص الذين نعرفهم، فأحيانًا نحتوي شخصًا عن طريق السؤال عنه بين الحين والآخر، أو قد يكون عن طريق تقديم هدية له، أو الاستماع له من دون مقاطعته؛ إنّ الاحتواء هو جبر الخاطر في أسمى الأشكال وأرقاها. فالاحتواء مهارة ينبغي امتلاكها؛ لأنّه من الممكن أن تتلاشى الخلافات التي تكون سببًا في تدمير العلاقات الإنسانية، أمّا إذا كان أحد الأطراف يمتلك ويتقن مهارة الاحتواء وفنونه كاحتواء الأمّ لأولادها، والزوج لزوجته، والأب لأبنائه، والمعلّم لطلابه، والمدير لموظّفيه، أو أيّ شخص في موقع قيادي، فأنّه سيعود تلقائيًا بالأثر الإيجابي على الجميع. وقد أوصى المتخصّصون في الشؤون الأسرية الأشخاص الذين لا يمتلكون مهارة الاحتواء بأن يتعلّموها، ومَن يمتلكها فعليه أن يطوّرها؛ لأنّ هذه المهارة تساعد على ديمومة العلاقات، بخاصّة في ظلّ الظروف التي يعيشها العالم، والضغوطات النفسية التي يتعرّض لها الجميع، ممّا يجعل الحاجة لهذه المهارة ماسّة؛ لأنّها تحتوي بداخلها العديد من معاني الحبّ، والودّ، والتفهّم، والتقبّل، والتجاوز عن الهفوات، والتسامح، وهذه صفات كلّها أوصى بها الدين الإسلامي عبر الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحثّ على الوفاء والتعاون وبرّ الوالدين وصلة الأرحام وزيارة المريض، وإغاثة الملهوف، وغيرها، حتى أنّ رسول الإنسانية (صلّى الله عليه وآله) عامل أعداءه بها.