رياض الزهراء العدد 194 أنوار قرآنية
درر علوية بدايتها (عند) الظرفية
مثلما هو معلوم أن ظهور بعض الأشياء أو اختفاءها يعتمد على ملازمتها لأشياء أخرى، فمثلًا وجود الظل يدل على وجود الشمس، فلا ظل بغياب الأخيرة، حتى عد ذلك من الآيات والآلاء العظيمة، فقد قال الله تعالى: ألمْ تر إلى ربك كيْف مد الظل ولوْ شاء لجعله ساكنًا ثم جعلْنا الشمْس عليْه دليلًا (الفرقان:45)، وهكذا ظهور القمر مقرون بآية الليل، وغيرها من الآيات. ولفظة (عند) الظرفية، تأخذ معناها زمانيًا كان أو مكانيًا بحسب القرينة التي تأتي بعدها، وما أجمل ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) من درر عميقة يسمو معناها أمام من يغوص في قعر المحيط العلوي البلاغي، منها قوله (عليه السلام): 1ـ "عند كمال القدرة تظهر فضيلة العفو"(1)، فإن ظهور الفضائل يعتمد على قرائن معينة، وما بين الأمرين يسمى ابتلاءً أو اختبارًا، ونجد أن فضيلة العفو تظهر عند كمال قدرة الإنسان فتجلب له العزة، وهذا هو منطق الفطرة التي فطر الناس عليها، وهو على عكس ما يعتقده بعضهم من أن العفو دليل على الضعف، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله"(2). 2ـ "عند حضور الشهوات واللذات، يتبين ورع الأتقياء"(3)، فالورع بالنسبة إلى جميع الناس فضيلة عالية، لكن ورع الأتقياء أعلى، فحينما تصادف المرء شهوة أو لذة، فعندها تكون المراقبة الإلهية هي الحكم الفاصل. ٣- "عند فساد النية، ترتفع البركة"(4)، فمثلما هو شائع: (على نياتكم ترزقون)، فالإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة الكونية، وهو يرتبط بها ارتباطًا وثيقًا في جوانحه وجوارحه، فالرزق يمثل الغيمة الملأى بماء المطر، ومتى ما أشرقت شمس النية الحسنة عليها أسقطت مطرًا غزيرًا، ومتى ما فسدت النية، هبت عليها رياح القدر لتأخذها إلى مكان آخر. 4ـ "عند نزول المصائب وتعاقب النوائب، تظهر فضيلة الصبر، وعند تناهي الشدائد يكون توقع الفرج"(5)، هنا ينبغي الالتفات إلى شكر الباري تعالى في الشدة والرخاء؛ لكون البلايا تبين للفرد نفسه مقدار الصبر الذي يحمله من دون أن يشعر، فيكون بذلك مستحقا لدرجة الصابرين عند الباري تعالى، فينبغي دراسة أحاديث المعصومين (عليهم السلام) ورواياتهم التي تصب في تكامل القالب الإنساني من كافة جوانبه، والتمسك بحبلهم المتين المرتبط بحبل الله سبحانه وتعالى. ................................................... (1)ميزان الحكمة: ج3، ص٢٠١٥. (2)الكافي: ج2، ص ١٠٨. (3)غرر الحكم: ج2، ص491. (4)ميزان الحكمة: ج4، ص٣٤٢٠. (5)عيون الحكم والمواعظ: ص337.